بغداد- العراق اليوم:
كاظم حبيب
مات فالح على غير موعد، اختطفته يد المنون دون وداع، هكذا هو الموت..، يأتي على غير موعد، لا يعلن عن قدومه، زائر غريب ومضني لا يمكن ردّه..، جاء في وقت غير مناسب، لم يمهله لإنهاء الفكرة في المذياع، أتعبه موضوع العراق المنهك وهو يتحدث في فترة قصيرة عن تاريخ العراق المأساوي.. ها هو الموت يختطف من جديد صديقاً ورفيقاً ومناضلاً آخر.. يختطف الأحبة واحداً بعد الآخر.. سعدنا برؤيته على شاشة التلفزيون، وأنهكنا الحزن قبل ان ينهي الموضوع!!
كان فالح في قمة عطائه الإنساني، وفي حركة دائبة غير قادر وغير راغب على التوقف ولو لحظة واحدة ليريح قلبه المتعب مما جرى ويجري في العراق الجريح وفي المنطقة!! كان شعلة وهاجة ينير درب الآخرين ويشتعل ذاتياً.
التقيته قبل فترة وجيزة، تجولنا في شوارع برلين اخترنا مطعماً هادئاً، جلسنا وتحدثنا في همومنا المشتركة، وتحاورنا عن المشاريع الكثيرة الواعدة التي كان ينوي القيام بها وإنجازها، وتحدثت له عما أقوم به فيما تبقى من سنوات عمر الشيخوخة. اتفقنا على تنشيط فعاليات بعض منظمات المجتمع المدني التي نعمل فيها، وأن نكرس وقتاً أكثر لها. كان لا يهدأ.. في زحمة أعماله الكثيرة وسفراته المكوكية في أنحاء العالم، كان يحمل حقيبته الصغيرة وأوراقه وأقلامه ونظارته. منذ وفاته شلت يدي عن الكتابة عنه لقسوة المفاجئة، رغم معرفتي بقلبه العليل.. مات وهو لا يحمل غير أوراقه وقلمه، وفي قلبه يحمل زوجته العزيزة فاطمة المحسن وابنته فيروز وولديه خالد وعلي والكثير الكثير من الرفاق والأصدقاء والمحبين والمعجبين بكتاباته..
لقد عمل فالح بدأب العالم المفكر، ومنهجية الباحث الجاد والرصين، فهو شديد الذكاء، دقيق الملاحظة، سريع البديهة، قوي الذاكرة وموسوعي المعرفة مع اعتداد بالنفس. عمل فالح بإخلاص على وفق الحكمة المندائية القائلة "ويل لعالم غير منفتح على غيره، وجاهل منغلق على نفسه"!
كانت لقاءاتنا قليلة، ولكن كنا حين نلتقي تكون موضوعات البحث العلمي والمشاريع التي نقوم بها هي مادة الحديث، إلى جانب أوضاع الشعب العراقي والمنطقة وأوضاع العراقيات والعراقيين في الخارج ومشكلاتهم المعقدة بسبب تعقد أوضاع الداخل.
لقد كان رفيق درب نضالي طويل، كان منفتح العقل والقلب، يكره القيود على الفكر والممارسة، يريد أن يكون طائراً حراً يحلق في الأعالي، ليرى بأفق أوسع ما على الأرض وفي السماء، ثم يحط على الأرض، ليتلمس برؤية مباشرة وموضوعية وهادفة ما يمكن أن يكون نافعاً فيما يكتب وينشر.
عشنا فترة معاً، وفي موقع واحد، في الإعلام المركزي للحزب الشيوعي العراقي، ضمن حركة الأنصار الشيوعيين العراقيين في جبال وارياف وقرى كردستان العراق، كانت واحدة من مراحل النضال الصعبة ضد نظام البعث والدكتاتورية والحرب والعدوان، وفي سبيل عراق ديمقراطي مدني حر، وشعب ينعم بالحرية والرفاه، وقوميات تتمتع بحريتها وحقوقها الأساسية.
مات فالح مبكراً، خسرناه مفكراً ومناضلاً وصديقاً رائعاً.. أنجز أبو خالد العزيز الكثير وبقي الكثير الذي فكر وعمل على إنجازه.. ستبقى صورته في ذاكرتنا وستبقى كتاباته تساهم في إنارة طريق النضال لغد أفضل بالعراق والمنطقة. التعازي القلبية للعزيزة فاطمة المحسن ولبقية افراد عائلته ورفاقه ومحبيه.
*
اضافة التعليق