بغداد- العراق اليوم: في العمل الأمني الاحترافي، يتطلب من القيادة التركيز بشكل واضح، وستراتيجي، على معدلات الاستجابة الأمنية للتحديات، وكيفية هذه الاستجابة ونوعيتها، حيث يجب ان تحلل هذه الاستجابة وفقاً لمعطيات قوة الرد، وسرعته، ودقته، ونسبة الخسائر التي ستعطيها القوة نتيجةً للاشتباك، أو مواجهة التحدي الطارئ. في العلوم العسكرية، مثل هذه المعايير تدرس بشكل واضح للقادة، وتعطى كمنهج لهم، حتى يتمكنوا من بناء قدرات أمنية مستقبلية، تكون ذات فاعلية في الاستجابة للتحدي وصده، وكذلك يدًا ضاربة لأي مؤسسة أمنية محترفة. ولعل وزارة الداخلية العراقية، واحدة من اهم واكبر واوسع الوزارات المعنية بالشأن الأمني في المنطقة برمتها، نظرًا لعددها وعدتها الكبيرة، ولذا فأن ادارة مثل هذه الموارد والامكانات تتطلب عقلاً قيادياً، لديه استجابة سريعة وفورية، ولكنها استجابة بعيدة عن الانفعالات او العاطفة. ومن وجهة نظري فإن وزارة الداخلية حظيت بشخصية تتمتع بمثل هذه الكاريزما، عبر وزيرها الحالي قاسم الاعرجي، الذي كما يتضح قد قرأ مشهدها الداخلي بعمق، وتعامل مع مفرداتها بعقلية قيادية، موظفًا خبراته الجهادية، وعمله النيابي في خدمة المؤسسة الأمنية، لا العكس، فبعض الوزراء وظفوا المؤسسة لتلميع صورتهم، ولتعليمهم الف باء العمل الاداري، فضلاً عن الأمني المعقد والستراتيجي. وأجزم أن من تابع عمل الأعرجي وزيراً للداخلية بعين منصفة، سيجد أن المؤسسة قد تغيرت تغيرات دراماتيكية واضحة، وأنها بدأت بالسير على جادة " مأسسة" نفسها على أسس ومعايير حقيقية، رغم كونها كانت الأكثر اشتباكاً مع الأرهاب الداعشي ولا تزال، فالأعرجي مثلاً لم يؤمن بمقولة " لا تغير الجياد إثناء المعركة" في إشارة الى ضرورة المحافظة على نوع القادة مهما كان الاداء، بل عمل بنظرية القائد وبديله، اي المقاتل وصنوه، القوة ورديفتها، وتلك ستراتيجية تؤمن قوة للمؤسسة لا ضعفاً لها، فهو يدرك أن " شخصنة " المعركة قد تؤدي الى كارثة، فهروب قائد – وحاشهم من الهرب –، أو استشهاده، أو أسره قد يتسبب بانهيار قوة مشتبكة مع العدو في لحظة حرجة، وقد يتسبب بخسارة حرب، لا معركة فحسب. ولذا كان الأعرجي يعمل بمبدأ تساوي الفرص بين القوات المحاربة، والقادة الفاعلين في المشهد. وتعزيز دور القادة من المراتب الصغيرة الى العليا، ولم يلغِ أي دور لمقاتل مع العدو، فضلاً عن القوة. لكنه أيضاً لم يؤمن ولم يطبق مقولة " الكل في المعركة"، فهذا شعار خاطئ، فالمعركة تحتاج الى قوة مدربة لها، فيما يجب ان تنشغل القوات الأخرى بدورها الأهم في تقديم الدعم اللوجستي لإدامة زخم المعركة. وما دام الحديث عن الرد السريع، فينبغي الشهادة والقول أن جهود الاعرجي في بناء قوات ضاربة للداخلية، اسفرت عن نتائج طيبة، وممتازة لاسيما في ملف صناعة القوات الخاصة والمدرعة والبرية والتي تطبق قواعد اشتباك ذات معايير عالمية، ولديها خبرة وإمكانية في حرب المدن الاستنزافية التي شهدتها البلاد منذ 2003 والى نهاية داعش الإجرامي الذي كان أسوء ختام لهذه الجماعات. حيث تمكن الوزير الاعرجي من تجهيز ودعم واسناد قوة ضاربة شديدة في عدة اتجاهات ومحاور وتشكيلات نوعية، كالقوات الخاصة وسوات والشرطة الاتحادية وقوات الرد السريع التي هي محور حديثنا الآن، حيث ان هذه القوة الجبارة، كانت الذراع الأطول والأقوى للداخلية في معارك التحرير، بقيادة قائدها البطل اللواء ثامر محمد اسماعيل أحد ابرز المقاتلين العراقيين والمجاهدين الذي افنوا اعمارهم في خدمة العراق وشعبه. وقوات الرد السريع هي قوات نخبة تتبع لوزارة الداخلية، تتشابه مهامها و قدراتها مع جهاز مكافحة الارهاب ، وخاضت العديد من المعارك ضد تنظيم داعش الارهابي في محافظتي الانبار وتكريت وكذلك الموصل، وكانت بالفعل القوة الأبرز في معارك التحرير الشرسة تلك. ويقول قائد قوات الرد السريع اللواء ثامر محمد اسماعیل في حديث صحفي سابق، ان قواتنا ھي "الاولى التي رشحت لاقتحام مدينة الموصل من المحور الجنوبي"، موضحا إن "قواته تشكلت من تحول كبیر لقوة كانت في الاصل عبارة عن "مجموعات صغیرة من المحافظات المختلفة كانت تتولى ملاحقة المجرمین ومقاتلة الارھاب". وباتت قوات الرد السريع الآن مجھزة ببنادق ھجومیة كرواتیة حديثة وعجلات من طراز "ھامر" مدرعة باللون الاخضر الداكن، وتتقدم القوات بدعم من وحدات مدفعیة وصاروخیة خاصة بھا. ويذكر اسماعیل ان تغیر طبیعة قواته جاء "عندما تغیرت المھمة عام 2014 "اثر اجتیاح داعش مناطق واسعة في شمال وغرب البلاد. ويضیف "احتاجت فرقة الرد السريع الى المعدات القتالیة لتنفیذ المھام التي كلفت بھا" منذ ذلك الحین، وارتفع عدد عناصرها خلال السنوات الماضیة، لیصبح بالآلاف. فهذا الدعم والتطور الذي يتحدث عنه اللواء اسماعيل، ما كان له ان ينجز ويحصل لو لا الرعاية الخاصة التي أولاها وزير الداخلية قاسم الأعرجي لهذه القوة التي ستظل شوكة بعين الأرهابيين والقتلة والدواعش. أن نجاح الاعرجي في بناء مؤسسات احترافية بهذه القدرات، وهذه الكفاءات لهو دليل أخر على مدى عقلية الرجل وكفاءته الأمنية التي نتمنى صادقين أن يراكمها هو أو من سيخلفه لانجاز بناء المؤسسة الأمنية العراقية على الأسس الصحيحة والمعايير التي يمكن معها القول ان في العراق قوة ضاربة تدافع عن ارضه وشعبه من كل خطب أو تهديد لوجوده وسيادته.
*
اضافة التعليق