بغداد- العراق اليوم:
قبل نهاية مساء أمس بساعة واحدة تقريبًا، تحدث الرئيس الكوبي الحالي «راؤول كاسترو» عبر التلفزيون الرسمي الكوبي مخاطبًا شعبه؛ ليعلن عن وفاة أخيه الزعيم، والرئيس الكوبي الأسبق «فيدل كاسترو»، وتعددت أشكال وعناوين أخبار الصحف ووكالات الأنباء العالمية في نقل الخبر؛ فبعضهم وصف كاسترو بالزعيم، وبعضهم بالمناضل الثوري، والبعض الآخر بالديكتاتور الذي حكم شعبه لمدة وصلت خمسين عامًا.
ويمكننا أن نعتبر سبب هذا التعدد في الوصف هو مسيرة «كاسترو» الطويلة المليئة بمحطَّاتٍ مثيرة للجدل، فعلى سبيل المثال قيادته للثورة الكوبية في خمسينات القرن الماضي، وهي الثورة التي اندلعت ضد الديكتاتورية والظلم الاجتماعي والطبقي آن ذاك، ولكن عندما وصل كاسترو للحكم ونجحت الثورة أصبح «ديكتاتور» يجلس على الحكم، لم يتركه، إلا عندما داهمه المرض الشديد، وحتى عندما ترك الحكم ورثه لأخيه راؤول كاسترو.
في أغسطس(آب) عام 1926 ولد فيدل كاسترو لعائلة إسبانية مُهاجرة إلى كوبا، ونشأ في كوبا؛ حتى تخرج من الجامعة هافانا بالعاصمة الكوبية، حاصلًا على درجة البكالوريوس في القانون والحقوق، وعُرف طوال فترة دراسته في الجامعة باهتمامه بالبحث في المسار اليساري المناهض للإمبريالية، ويأتي اهتمام كاسترو باليسارية والدفاع عن حقوق الطبقات الدُنيا من المجتمع مخالفًا للعائلة التي نشأ فيها؛ فيُذكر أن والد كاسترو كان مزارعًا غنيًا يمتلك الكثير من المزارع الخاصة به، إلا أن ابنه فيدل كان معارضًا لأسلوب حياة عائلته المترفة.
لم تنجح محاولة كاسترو لقلب نظام حكم الرئيس الأسبق «باتيستا» من المرة الأولى، ففي عام 1953، وبعد أن تدرب كاسترو على السلاح، هو ومجموعة من أتباعه، حاولوا اغتيال باتيستا والسيطرة على الحكم، إلا أن المحاولة فشلت، وقبض على من تبقى على قيد الحياة من مجموعة كاسترو، وتم الحكم عليهم بالسجن، وبعد عام واحد فقط من سجن كاسترو، عفي عنه ونفي إلى المكسيك؛ حيث التقى بـ«تشي جيفارا»، وبدأ معه التخطيط للمحاولة الثانية للثورة.
عاد كاسترو إلى كوبا مرة أخرى ومعه تشي جيفارا وأخوه الرئيس الحالي راؤول كاسترو؛ ليكونوا مجموعة أخرى من القوات المُناهضة لحكم الرئيس «باتيستا»، التي أطلقوا عليها «حركة 26 يوليو» ، و في عام 1956 بدأت حرب العصابات بين المتمردين بقيادة كاسترو وجيفارا من ناحية، وبين القوات النظامية الكوبية من ناحية أخرى، وفي عام 1957 بدأت تحصد الحركة الثورية مجموعة صغيرة من الانتصارات، ويومًا بعد يوم كانت دائرة الانتصار تتسع؛ حتى استطاعت حركة 26 يوليو (تموز) الإطاحة بالرئيس الكوبي باتيستا، وعُين كاسترو رئيسًا للوزراء حتى عام 1976.
وبعد انتصار الثورة كان لتشي جيفارا مكان مميز في الحكم؛ حيث كان الرجل الثاني في الدولة بعد كاسترو، ونشأت بينه وبين كاسترو علاقة صداقة كبيرة، إلى أن رحل تشي جيفارا إلى بوليفيا في عام 1965؛ ليقود هناك ثورة أخرى للإطاحة بالنظام الديكتاتوري الذي كان يحكم آن ذاك، وفي استقالته لكاسترو كتب جيفارا «سأرحل؛ حتى أخلق ميدان آخر لثورة بالروح والإيمان الذي علمتني إياهم يا كاسترو».
في عام 1976 تم إعلان فيدل كاسترو كرئيس لجمهورية كوبا، بعد أن كان رئيسًا للوزراء لمدة تزيد عن عقدٍ ونصف، ولكن كاسترو كان من يدير الدولة، حتى وهو رئيس للوزراء، وفي عام 2008 تنحى عن رئاسة الجمهورية؛ ليخلف المنصب لأخيه ومساعده راؤول كاسترو، وطوال خمسة عقود من حكم كاسترو لكوبا كان هناك الكثير من المحطات الهامة التي سنحاول سردها في هذا التقرير.
عندما انتصرت الثورة وتولى كاسترو الحكم أعلن مرارًا أنه سيقضي على الفساد والديكتاورية، وسيحرر جميع طبقات الشعب، وسيعمل على غرز الديموقراطية كعنصر أساسي في المجتمع الكوبي، ولكن ما حدث أثناء فترة حكمه كان مخالفًا لذلك تمامًا، فدائمًا ما كان يُسجن ويُعتقل المئات من مُعارضي كاسترو بتهمة «تكدير السلم العام»، وحتى الذين عبروا عن آرائهم، فقط دون تنظيم مظاهرات أو إضرابات على أرض الواقع.
وكان لديكتاتورية كاسترو مظاهر أخرى أيضًا. فعلى سبيل المثال، تعديه على الملكيات الخاصة بعد نجاح الثورة التي قام بتأميمها لصالح الدولة، وعلى الرغم من نشأته الكاثوليكية فمرجعيته الشيوعية جعلته يضطهد الكثير من أصحاب الديانات المختلفة، وعلى الرغم من أنه عُوقب بالنفي للمكسيك أثناء الموجة الأولى للثورة، فكثيرٌ من معارضي كاسترو ذاقوا من نفس الكأس.
نفى كاسترو العشرات من معارضيه خارج كوبا، مخالفًا الإعلان الدولي لحقوق الإنسان أصدر كاسترو قانونًا يعيق سفر الكوبيين خارج بلادهم بحريةٍ تامة «فإذا أردت السفر عليك أن تحصل على تصريح أولًا، وإذا أردت تصريح عليك أن تتعرض للمساءلة لتقوم بعرض كافة التفاصيل عن المدة التي ستمكثها خارج البلاد، وإذا مكثت مدة أطول فمن الممكن أن تُمنع من دخول كوبا مرة أخرى» هكذا تتم عملية السفر خارج البلاد في كوبا حتى بعد تنحي كاسترو عن الحكم، وكل ما سبق بخلاف حالات التعذيب وقمع الحريات وإغلاق العديد من الصحف المعارضة للنظام الكوبي في عهد كاسترو.
لم تكن العلاقة بين كاسترو و الولايات المتحدة هادئة منذ اليوم الأول للثورة؛ فكانت أمريكا مؤيدة للرئيس باتيستا الذي عزلته ثورة كاسترو، وفي عام 1961 كانت أول محاولة فعلية للولايات المتحدة لإقصاء كاسترو من الحكم، عندما هاجمت قوة مكونة من 1300 فرد هم في الأصل معارضون نُفوا من قبل كاسترو، ومن ثمّ دربوا على يد القوات العسكرية الأمريكية؛ ليغادروا من مدينة ميامي في ولايدة فلوريدا متجهين إلى الساحل الجنوبي لكوبا؛ لتبدأ المعركة المعروفة تاريخيًا باسم « معركة خليج الخنازير» والتي تمكنت فيها قوات كاسترو من الانتصار وإخماد قوات المتمردين منذ البداية.
استطاع كاسترو الاستفادة مما حدث في هذه المعركة، فقد استخدمها كوسيلة لإثبات أن الولايات المتحدة ضد الثورة الكوبية، وأنها تريد أن تدعم الفساد والظلم الاجتماعي في كوبا، وهي الأمور التي ثار كاسترو ورفاقه لهدمها والإطاحة بالديكتاتور باتيستا.
وعلى خلاف علاقته بالولايات المتحدة، كانت كوبا في عهد كاسترو حليفًا مهما للاتحاد السوفيتي؛ وذلك لعدة أسباب مختلفة أهمها: الموقع الجغرافي الكوبي القريب للغاية من الولايات المتحدة جعلها لاعبًا هامًا في فريق الاتحاد السوفيتي في حربه الباردة مع الولايات المتحدة، وضمّ الاتحاد السوفيتي كوبا إلى «المجلس الاقتصادي للمساعدة المتبادلة» الذي كان يضمُّ كل الدول التي تطبق النظام الإشتراكي الاقتصادي آنذاك، وذلك بعد طرد كوبا من اتحاد أمريكا الجنوبية؛ بسبب انقلاب كاسترو واستيلائه على الحكم.
في عام 1962 أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق «جون كندي» عن اكتشاف أمريكا لقواعد صواريخ نووية على الساحل الجنوبي لكوبا، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة؛ لأن الاتحاد السوفيتي هو الذي مدّ كوبا بتلك الصواريخ النووية التي تشكِّل تهديدًا كبيرًا على الأمن القومي الأمريكي، وتم سحب هذه الصواريخ في مقابل أن تتوقف الولايات المتحدة عن محاولة قلب نظام كاسترو، وأن تتعهد ألا تتدعم أيّة محاولات تمرد أخرى ضده، وهذا ما حدث بالفعل.
طبقا لوكالة رويترز الأمريكية، فإن الحكومة الكوبية ادعت في وقت سابق أن كاسترو تعرض لأكثر من 600 محاولة اغتيال، وأن معظمها كان من تدبير الولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 2006 نشر أحد الضباط المعاونين لكاسترو، ويدعى «فابيان إسكالانتي» كتابًا بعنوان «632 طريقة لاغتيال كاسترو» يسرد فيه بالتفصيل جميع المحاولات التي نُفذت لاغتيال كاسترو، ولكنها فشلت، وقدم تحويل هذا الكتاب إلى فيلم وثائقي فيما بعد.
وتعددت محاولات وكالة الاستخبارت الأمريكية CIA لاغتيال كاسترو، فمنها عندما حاولت وضع السم له في السيجار المفضل لكاسترو، ومرة في الحليب المخفوق، وهو مشروب مفضل لفيدل كاسترو، ومرة في محرمه الخاص به، وفي عام 2000 اكتشف حراس كاسترو عبوة ناسفة تزن حوالي 90 كيلو جرام، وضعت تحت منصة كان من المفترض أن يعتليها كاسترو؛ ليلقي خطابًا، ولكن تم تعطيلها ومر الوضع بسلام.
عن ساسة بوست