بغداد- العراق اليوم: ثمة حملة منظمة وممنهجة يجري فيها تسقيط تحالف الحزب الشيوعي العراقي الذي اختار طريقاً في التحالفات الانتخابية، فاجأت الجميع واربكت حسابات الكثير من مدعي " الاسلمة السياسية" في طريقة بناء ائتلاف فعال شعبيًا، ويتوقع أن يكون رقمًا صعبًا في معدلات الانتخابات المعقدة، لذا بدأت أبواق جماعات "الاسلام السياسي" والاسلام منها براء بكل تأكيد، بمحاولة ضرب هذا التحالف الوليد، حتى قبل ان يبدأ النزال، وكأن الجميع في تلك الجبهة يرفع شعاراً موحداً، لا تسمحوا لهذا التحالف ان يمر، فـ والله لو وصل ليقلبن عاليها سافلها، ولا ينزلن الا بفضيحة لهذه الحركات، فيكشف زيف الادعاءات، ويعري حجم التستر بمظلوميات الفقراء، وقتها سيعرف الجميع بحقيقة ما جرى ويجري من ارتكابات فظيعة، ضيعت الوطن، وافقرت المواطن، وتسببت بغمط حقوقه، وسلب راحته، ولقمة عيشه! أذن هذه هي اللحظة المنتظرة، وقد أزفت الآزفة، وحانت المواجهة الحتمية، التي يؤمن الشيوعيون وقوى اليسار وقوى التحرر الوطني، بأن المعركة التي بدأت، أنما كانت سعاراً طائفياً يريد ان يغطي على أصل المشكلة، وما التزيي بازياء الطوائف، والتبرقع ببرقع المذاهب، الا جزء من ديماغوجية خبيثة، تريد أن تحول الصراع الطبقي الى صراع أخر، فيما الحقيقة، بوضوح أن ثمة معادلة واضحة، وهي صراع بين مُستغل، ومُستَغل، بين طبقات برجوازية رجعية متحالفة مع قوى الرأسمالية الحديثة، يدعمها مثقف واعلام كمبرادوري زائف، وبين قوى شعبية فقيرة معدمة، تمت عملية تضليلها وأبعادها عن بوصلة نضالها وصراعها الطبقي، مع تلك القوى. وما دمنا في ذكرى شباط الدموية، وأوجاع انقلاب التحالف الأمريكي وما خلفه من دمار، لن ننسى أن نذكر، أن بعض الاطراف التي تصرخ اليوم ضد التحالف بين الشيوعيين والصدريين والقوى المدنية هي نفسها التي كانت بالأمس القريب سبب النكسة والنكبة في شباط الأسود، وهي ذات القوى القديمة بثوب جديد، وشعارات زائفة، والمستهدف هو ذات المستهدف، ياللعجب كل العجب، فالشيوعيون امس واجهوا دعاية القومجية والرجعية، وتهجمها وتكفيرها وتحريضها، ودفعوا ثمنًا غالياً من أجل ذلك، ولم يرضخوا للجلاد، ولم تحرف بوصلتهم التحريرية تلك الأوجاع، ولم ينزلقوا الى مستنقع الطائفية، أو يحرفوا صراعهم مع قوى الاستعمار والرجعية نحو اتجاهات فئوية ومناطقية، وهم كانوا الاقدر على ذلك، ويعرف الجميع حجم الحزب وامتداداته الشعبية، ولو اراد لقلب سافلها عاليها بما يملك من سحر وتأثير وقوة اعلامية وثقافية، ولكن هيهات، فالشاعر العربي يقول: ملكنا فكان العفو منا سجيةً/ وملكتم فسال بالدمِ ابطحُ.! لم ينته هذا السيناريو، ولم ييأس الحزب من شارع عراقي كان بالأمس القريب يساريًا بلا انتماء، وتقدميًا بلا أدعاء، وعلمانيًا مهما حرض المحضرون، ومهما خوفه فقهاء السوء من خطورة ذلك على دين الله !! الله الذي يضعه هؤلاء في قفص الفتاوى التي يتربحون منها، ويعتاشون على جهل الناس، وأوجاعهم، لا الله الذي يريد العدل بين عباده، ويمقت الطبقية، ويبغض الظلم، هنا كان الحزب وكل قوى اليسار تفرق في نظرتها للدين، والعلاقة بالخالق. فرب يريد من خلاله رجال الدين " استحمار" الناس كما يقول علي شريعتي المفكر الاسلامي التنويري الشهيد، ليس هو الله بالتأكيد، بل هو أداة هؤلاء لبسط نفوذهم على الناس ونهب ثرواتهم وخيراتهم. ان تحالف الحزب الشيوعي الحالي، هو في الحقيقة أول لبنات النجاح لمشروع بناء تحالف وطني، وشق التحالفات الطائفية البغيضة عموديًا بعدما تسببت بشق الشعب العراقي للأسف افقيًا، وحاولت ان تحرف الصراع عن حقيقته، للأسف انزلقت البلاد في حرب طائفية لا فائدة منها الا لأمراء الطوائف وتجار الدم. فهل يمكن ان يفسر احد اقتتال عامل بناء بسيط في الرمادي او صلاح الدين مع عامل اخر من اقصى جنوب العراق على أساس طائفي ؟، وكلاهما تعصره لقمة العيش القاسية، ويسحقه أرباب العمل من الرأسماليين ومحسوبيهم، وتسرق مافيات الوزارات المؤسلمة أموالهم وخيراتهم. وهل يعقل ان يشق ابناء الشعب العراقي على هذه الأسس، ليستشري الفساد، وتشيع السرقة، وتبرر تحت فتاوىً عجيبة عمليات تفكيك الدولة ! ان اللحظة التي قرر فيها الحزب الشيوعي ومعه كل القوى المؤمنة بتحرير الانسان والساعية لذلك، في بناء هذا التحالف، كانت رصاصة رحمة توجه لصدر المشروع الطائفي التقسيمي، وكانت العاصفة التي رفعت ورقة التوت عن عورة النمودج الطائفي المشوه، الذي يقترب من موته سريريًا بسبب اختناقه بالفساد والنهب، وايضا فأن هذا التحالف مثل القشة التي سيتعلق بها اليائسون، ولعمري ليست قشة، بل هي سفينة ستنقذ العراق من بحار ومحيطات الفساد، وأن لم تستطع فعل ذلك، فأنها ستمنع بكل تأكيد من اغراق البلاد مرةً أخرى في حمامات دم لا تقدم سوى المزيد من المنافع والمال للمفسدين وعرابي الطائفية. نتفهم الوضع النفسي للقوى الطائفية، جراء هذه الصدمة، ونضع لها اعذاراً لردود الفعل هذه، لكننا نود أن نخبرها أن هذا التحالف ماض في زيادة جرعات الأمل لدى ابناء شعبنا بقرب الخلاص من هذه القوى، وبأساليب حضارية ديمقراطية غير عنفية، حتى لو لجأ البعض الى تلك الاساليب، فأن الرد سيكون انتخابياً شعبياً ساطعاً
*
اضافة التعليق