بغداد- العراق اليوم:
محمد صاحب الدراجي
حملت مبادرة رئيس الوزراء حيدر العبادي رؤية مستقبلية واعدة وواضحة، تهدف الى الاستقرار على الصعيدين الامني والاقتصادي في المنطقة .
ولم تأت هذه المبادرة من فراغ ، فالعراق عاش العديد من المخاضات والتجارب السياسية وواجه كماً كبيراً من التحديات الأمنية والإقتصادية ، حتى اصبح ساحة للصراعات الدولية والاقليمية منذ عام 2003 ، ولم تكن الضغوط التي عانى منها العراق ضغوطاً داخلية وحسب ، بل كانت الضغوط الداخلية اشد ، اذ كانت الصراعات السياسية الممثلة للكيانات الاجتماعية تلعب دوراً في التبعية للأطراف الدولية والاقليمية ومنها سادت الطائفية، والعنف، والتفرقة، لكن العراق تمكن من استعادة عافيته لأسباب واضحة، ابرزها وجود مرجعية دينية متمسكة بوحدة الوطن ولا تفرق بين مكونات العراق، وتدعو الى السلم والتعاون والبناء ونبذ العنف والطائفية، فكانت صمام أمان وقف سداً منيعاً امام الانهيار ، يضاف الى ذلك الارث الحضاري والثقافي والمصير المشترك للعراقيين جميعا، والذي يمتد الى الاف السنين ما جعل لغة التعايش السلمي مع الاخر هي الاقوى، يضاف الى ذلك الرغبة الشديدة لدى بعض القوى الوطنية في المشهد السياسي بالتعامل الدقيق مع الواقع، ومحاولة مد جسور العلاقة مع دول المنطقة رغم المشاكل الداخلية والخارجية .
ان ما حققه العراق من تقدم واضح في الملف الامني، رافقه انتصار سياسي ودبلوماسي ، فالوسطية التي يتمتع بها العبادي قادته لتبني رؤية دقيقة على مستوى الخطاب والهدف.
ولهذه الرؤية نتائج مشرقة سياسياً وامنياً واقتصادياً ، فالعراق يعرف ان من الضرورة تمتين العلاقة مع دول المنطقة وفق مشتركات اساسية ، ويعرف العبادي اهمية الدور السعودي في المنطقة ، كما قرأ بإمعان تحولها لتبني الاسلام المعتدل ، ويعي ايضا ان فشل الارهاب في العراق ، سيفتح افاقاً جديدة لتعاطي الدول معه بشكل مغاير عن السابق ، وقد كان خطابه واضحاً بضرورة استثمار طاقات الشباب والموارد الوطنية ودفع عجلة التطور في دول المنطقة نحو السلم والبناء والاستقرار ، ولم يكن ذلك صدفة بالطبع، كما لم يكن امرا عفوياً بل تم الاعداد له ليصبح العراق شريكاً اساسياً ورقماً صعباً لا يمكن القفز عليه بين دول المنطقة المحكومة بمنظومة متشابكة من المصالح والاختلافات . وبالعودة لما سبق فان جميع التحديات التي واجهها العراق منحته القدرة لان يكون مؤهلاً للعب دور حيوي في المنطقة اخذين بنطر الاعتبار العمق الاستراتيجي للعراق .
لكن رؤية العبادي الواضحة والواعدة لاستقرار المنطقة تحتاج بنظرنا الى توسيعها والخروج بها من نطاق الثنائي ( العراق – السعودية ) ووضع اليات لترجمتها واقعيا لذلك ادعو الى تبني اقامة مجلس للتعاون الاقليمي بين العراق والسعودية وايران وتركيا لتصفير المشاكل والتكامل التنموي والاقتصادي ومن الممكن ان يضم المجلس مصر والاردن في مرحلة لاحقة.
وكما اسلفنا اصبح العراق مؤهلاً للعب هذا الدور التنسيقي بحكم امتلاكه علاقات طيبة مع جميع الاطراف ، واجد ان الفرصة سانحة امامه لاستعادة الدور الاقليمي في المنطقة ولعب دور الوسيط في حل الخلافات ، واختبار صدق النوايا لدى الاخرين ، اجد ان العراق وليس غيره من يجب ان يتبنى هذا المشروع بأسرع وقت ممكن ، ولا اجد اي تعارض بين هذا المجلس ومجلس التعاون الخليجي ، ذلك لان هذا المجلس يضم دولاً غير عربية مثل تركيا وايران، وان سعة الخلافات والمواقف المتناقضة بين هذه الدول جلية للغاية ، لكني اثق بقدرة العراق على تصفير المشاكل وايجاد حلول لخلافات المنطقة.
ان تشكيل مثل هذه المجلس وفق رؤية واعية لمعالجة الملفات العالقة بين دول المنطقة سيقودها حقا الى الاستقرار الامني والسياسي، والاقتصادي، ولكن ذلك طبعاً محكوم بالحراك الجاد وصدق نوايا الاطراف الاقليمية.
ان تجاوز الثنائية ليس امرا سهلا لكنه ليس مستحيلا خاصة وان الظروف الحالية تساعد على مثل هذه المبادرة التي من شانها انعاش الاقتصاد في بلدان المنطقة ودرء خطر الارهاب عنها .
*
اضافة التعليق