بصراحة تامة، النائب الكردي شوان داودي يكشف بالتفاصيل والأسماء، ما حصل في تشييع الرئيس الراحل جلال طالباني

بغداد- العراق اليوم:

اين كان الاتحاد في مراسيم تشييع مام جلال ؟!

شوان داودي

لا أريد الوقوف عند نضال الرئيس مام جلال ولكن تعريف مقتضب، وهو أن الطالباني كان قائداً لثورتين ومشعلاً لشرارهما، في الجبال والمدن كان بيشمركة ومناضلاً في سبيل الكورد بامتياز، وفي نفس الوقت فانه وعبر 70 سنة من النضال و العمل السياسي الدؤوب لم ينقطع عن الحركة الوطنية العراقية، فكان في تواصل وثيق بالاحزاب والجهات والشخصيات الوطنية والديمقراطيين والليبراليين والتقدميين والاسلاميين في كل الأوقات والمراحل سواء في مرحلة المعارضة  والكفاح المسلح، وكذلك في مرحلة ما بعد التحرير، وكتابة الدستور، وحكم الدولة، وفترة رئاسته للعراق، فضلاً عن كونه شخصية معروفة عالمياً كأشتراكي ديمقراطي محباً للسلام ومدافعاً عن حقوق الانسان الى الحد الذي تم فيه اختياره كنائب رئيس للاشتراكية الدولية. الرئيس مام جلال كان يحمل هم ترسيخ الديمقراطية والحرية لشعب العراق بكافة أطيافه، بقدر نضاله في سبيل تحرر الكورد, وسجل له التأريخ كونه أول رئيس منتخب للعراق بعد التحرير، وبتصويت ممثلي جميع شرائح المجتمع العراقي, ونجح خلال فترة رئاسته في أن يصبح نقطة التقاء جميع القوى المختلفة، وعاملاً في توازن بين امريكا وايران اللذين يعتبران لاعبان رئيسيان على الساحة العراقية.  رغم غيابه عن الساحة السياسية بسبب المرض في 19-12-2012 لكن بقائه على قيد الحياة كان ذا رمزية عالية حتى ودعنا يوم 3-10-2017 الوداع الأخير. ان وفاة الرئيس الطالباني جاءت في وقت حساس وحرج جداً، لان كردستان والعراق والمنطقة برمتها على اعتاب متغييرات كبيرة، فالشعب الكوردي يواجه عدة أزمات، وعلاقاته مع العراق وايران وتركيا وحلفائه تمر بمرحلة عصيبة، وما تم انجازه يواجه مصيراً مجهولاً, وخطراً محدقاً, وفي هذا الوقت العصيب كانت كردستان والعراق والمنطقة بأمس الحاجة لحكمة وحنكة الرئيس الطالباني. كان العراقيون عامة  والكورد خاصة يأملون في أن تصبح مراسيم استقبال وتشييع جثمان الطالباني الطاهر، وعزائه فرصة لجمع شمل السياسيين والفرقاء، وعامل لتهدئة التوترات, وباختصار كما كان رحمه الله جامعاً لكل الاطراف في حياته، كان الجميع يأمل أن يكون ايضاً جامعاً للقوى في مماته، وان يفتح باباً لحل المشاكل المستعصية، لكنهم قتلوا هذا الأمل.

من؟ وكيف؟ ومن أجل ماذا؟ و لمصلحة من؟ هي عدة أسئلة تحتاج الى اجابات من قيادة الاتحاد.

ان الاتحاد الوطني الكردستاني (حزب الطالباني) الذي ومنذ تأسيسه في 1-6-1975 ولغاية مرضه قاد الحزب بجدارة, هذا الحزب فقد فرصة ذهبية للكورد وللعراق في استثمار مناسبة وفاة الرئيس الطالباني وظلموه شخصياً.

نظرا لكون الطالباني قد ناضل طوال 70 عاما من أجل ترسيخ الديمقراطية في العراق، وأنتخب من قبل جميع المكونات رئيساً واصبح رمزاً وطنياً محبوباً, وفي الوقت الذي يرأس العراق احد رفاق نضاله، كان من الأجدر أن ينقل جثمانه للعاصمة بغداد ملفوفاً بالعلم العراقي، وان تقام له مراسيم مهيبة بحضور ملوك رؤساء الدول، والشخصيات السياسية، كي يقفوا امامه باجلال، ومن ثم ينقل بطائرة الى مطار اربيل، وان يلف نعشه بعلم كردستان لتنظم له مراسيم قومية كبيرة بحضور الاحزاب والقوى والشخصيات القومية المناضلة من باقي اجزاء كردستان، وباشراف حكومة الأقليم

بعدها يتم نقل الجثمان في موكب مهيب من أربيل صوب كركوك قدس الكورد ومنها صوب مدينة الوثبة والفداء مدينة السليمانية كي تسعد روحه الطاهرة برؤية عاصمة الاقليم ومدينتي كركوك والسليمانية لوداعه من قبل محبيه، ومن ثم يوارى الثرى في "دباشان" بعد القاء كلمات الوداع من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني وبقية الأحزاب والقوى العراقية والكردستانية وتوديعه.

لكن كل ما ذكرناه  لم يحصل هذا، بل تم اختزاله في مراسيم غير مدروسة شابها الأضطراب، ولم تراعى فيه المفاهيم البروتوكولية، وكان هبوط طائرة الخطوط الجوية العراقية التي تحمل جثمانه في مطار السليمانية لا يليق بشخص مام جلال, وهو الفعل الذي وأد حلم جمع شمل الأطراف المتصارعة في أن تكون المناسبة هي الفرصة، وبالمقابل استطاع الحزب الديمقراطي الكردستاني ان يستثمر المناسبة لصالحه ويعمق من الفجوة  بين الاقليم وبغداد على حساب الأتحاد الوطني الكردستاني

 هنا علينا ان نعلم ان الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يلام لانه يبحث ويحاول تحقيق مصالحه, والمسؤول الاول عما حصل هم قادة الأتحاد الوطني الكردستاني، ويجب ان يعلموا ان ما سموه خطأ، هو في الحقيقة  خطيئة كبيرة لا تغتفر، لآنه كان انتقاصاً من شأن الرئيس الطالباني الذي حولوه من زعيم عالمي  ووطني عراقي، وقائد قومي كردي الى شخصية قومية كردية فقط , وجردوه من كل الامجاد الأخرى التي حققها في حياته، ثم أن فقدان هكذا فرصة للطالباني كزعيم وللاتحاد الوطني كحزب في ان يتم استقبال جثمانه بحضور قادة و وملوك رؤساء دول، واطراف عراقية لن تتكرر لاي شخصية كردية, وان ماحصل لم يكن سوى  تضئيل لشأن الأتحاد الوطني الكردستاني، وتحويله من حزب محوري فاعل الى حزب تابع ولا تقبل اي تفسير اخر.

للتهرب من المسؤلية نسمع من بعض قادة الاتحاد أن عائلة الطالباني هم ارادوا ذلك ويشيرون بالأخص الى زوجة الطالباني وابنه الثاني والذي يشغل منصب نائب رئيس حكومة الأقليم، لكن الطالباني كان له حزباً, وهذا الحزب يعتبر صاحب الكلمة العليا في هكذا مناسبات، لذا لا يمكن ترك هكذا مناسبة لعائلته، لأن مصدر عز وهيبة الطالباني هو حزبه و شهدائه و بيشمركته، وان عوائل الشهداء هم عائلة الطالباني الحقيقيون.

كوادر الحزب و اتباع و محبو الحزب الذين مرغوا انفسهم في التراب لأجله  ولا يصدقون لحد الان انه رحل، هؤلاء هم عائلة الطالباني الحقيقيون.

كشاهد حال فقبل وصول جثمان الرئيس طالباني ادركنا بوقوع تلك الاخطاء البروتوكولية, فقبل وقوعها حاول "لاهور طالباني" وهو احد الشخصيات اللامعة في عائلة الطالباني والاتحاد ايقاف تلك الاخطاء وتصحيحها, لكن للاسف يبدو ان الاخوة في دائرة مراسيم حكومة الاقليم لم يفهموا لهجته، لانهم كانوا يتكلمون بالبادينية!.

عند وصول الجثمان استاء من تلك الاخطاء "السيدة هيرو" زوجة الفقيد الراحل وابنه الاكبر "بافيل" وابن اخيه وسكرتيره الشخصي "اراس شيخ جنكي " ولم يشاركوا في وضع اكليل زهور العائلة على جثمان الرئيس تعبيراً عن امتعاضهم واستيائهم.

ابنه الثاني "قوباد" نائب رئيس حكومة الاقليم الذي كان طوال فترة المراسيم في مطار السليمانية منشغلا بأبنه، ولم يول نصف اهتمامه للضيوف الموجودين بينما ظل قادة الاتحاد الوطني الكردستاني ينظر بعضهم البعض بعصبية، وكان جل همهم الجلوس في الصف الأول، فكانوا يمزقون الأسماء المكتوبة على الكراسي ويجلسون ! والضيوف ظلوا في الصف الأخير يتفرجون واقفين!.

بعض اصحاب القرار من قادة الاتحاد الوطني الكردستاني كانوا يحومون حول البارزاني متناسين جثمان الطالباني والمراسيم الخاصة به !

حتى أن الحزب لم يكن له خطاباً خاصاً بالوداع الأخير للرئيس الطالباني، و الجدير بالذكر هنا ان كتلة الأتحاد الوطني الكردستاني لم تحضر الى جلسة مجلس النواب العراقي الذي تم فيها قراءة البيان الخاص بوفاة الطالباني في قاعة الا البعض منهم, ولم تقبل رئاسة كتلة الاتحاد ان يكون البيان بتوقيع الكتلة, وكان الاتحاد في تلك المراسيم والتشييع لاوجود له ولا كلمة.

في الوقت الذي كان محبو الأتحاد الوطني الكردستاني وأتباع الرئيس الراحل رحمه الله غارقين في الحزن والبكاء والعويل في كافة مدن كردستان ووقفوا في طريق المطار مروراً بالسليمانية و حتى "دباشان" لا من اجل عائلة الطالباني ولا من أجل قادة الأتحاد، بل كانوا هناك حباً بشخص مام جلال,  وكل ما تم قبوله من قيادة الاتحاد كان احتراماً للطالباني,  ولأن جماهير الاتحاد لن تقبل في ان يكون حزبها تابعاً!

 

 

 

علق هنا