بغداد- العراق اليوم: امامكم اليوم سيرة رجل متحول، سيرة رجل لا يملك اقدامًا بشرية، بل يضع اسفل جسده الثقيل نوابض، تساعده على القفز بأقصى الدرجات حين تتطلب مصالحه ذلك. مشعان الجبوري هذا حرباء بدمها ولحمها، يمتلك اكبر حساسات للتغير والتكيف، ويملك اضافةً لذلك عدة لغوية قروية شديدة اللذع، يهاجم بها نفسه والاخرين. واذا ما عرفنا ان مشعان ركاض، (ركض) من الشرقاط احد اعمال مدينة تكريت، الى بغداد ليعمل في الصحافة وهو ليس صحفياً، ولا علاقة له بمهنة المتاعب مطلقاً، وقد حصل ذلك بتزكية من (القيادة)، ثم سرعان ما نزع دشاشته وارتدى ثياب مدنية جديدة، تقوده للدخول الى عوالم التجارة المحرمة، والتهريب والتحول الى عين للسلطة انذاك، حد ان الجبور اعمامه يتهمونه بافشاء سر حركة انقلاب ١٩٩٠ التي كادت ان تطيح بصدام، لكنها كشفت في اللحظات الاخيرة، ليعدم على اثرها ٨٠٠ ضايط وشخصية من عشيرة الجبور ذاتها. بعد ١٩٩١ والحصار الاقتصادي، يهرب مشعان الى الخارج، او يُهرب كما يقول خصومه الكثيرون جدًا، ومن هناك يبدأ رحلة جديدة بين اليونان وقبرص ولبنان وسوريا، في عملية تهريب السجائر والكحول وغيرها من انواع المهربات من والى العراق في شراكة غير معلنة مع اركان النظام المحاصر انذاك. بقي الجبوري طيلة فترة التسعينات يلعب على كل تناقضات الوضع الاقليمي والدولي المحيط بالعراق، فمن جهة هو معارض لصدام، ومن جهة معارض للعقوبات الاقتصادية، والعسكرية على العراق، ومن جهة ثالثة يتولى عملية نقل المواد الغذائية والتموينية الداخلة للبلاد عبر مذكرة التفاهم وتهريبها الى بعض الاسواق السوداء ليبيعها ويقوم بتحويل جزء من اثمانها بالعملة الصعبة للنظام البعثي. ومن جهة رابعة يشارك مشعان هذا في مؤتمرات المعارضة المتعددة سعيًا لكشف محتواها وتخريب مقرراتها . وهكذا كان الرجل كتلة من التناقضات واللعب وفق ما تشتهي وترغب مصالحه الذاتية فقط . بعد ٢٠٠٣ مباشرةً، وبعد ان اسقط الأمريكيون نظام صدام عاد مشعان وقد دخل مدينة الموصل متغطرساً كانه محررها، فدخل دخول الفاتيون، معلنًا تنصيب نفسه حاكمًا للمدينة، الا ان الامر سرعان ما تغير ضده اثر شروعه باولى سرقة علنية من المال العام، تورط بها هو ابنه في ملف اطعام قوات حماية خطوط النفط التي وصلت قيمتها الى ٦٠٠ مليون دولار، واثناء انعقاد الجمعية الوطنية الاولى اصدر القضاء قرارًا بسجنه هو ابنه لمدة ١٥ سنة ، بتهمة الاختلاس، وفي اثناء ذلك كان مشعان قد مد جسوره مع ما يسمى المقاومة السنية انذاك، وهي في الحقيقة تنظيم القاعدة الارهابي ليس الا، الذين وصفهم مشعان بالاخوة في حديث تلفزيوني شهير له . رفعت عنه الحصانة في ٢٠٠٦ بتهمتي الارهاب والاختلاس، فهرب الى خارج العراق مؤسسًا قناة تلفزيونية، كان يبث عبرها فيديوهات لتعليم صناعة العبوات الناسفة. وبقي مشعان يهجو العراق المحتل من قبل الصفويين، ويحرض بابشع ما يكون التحريض على الاقتتال الطائفي، حد انه صنف كواحد من اكثر متتجي خطاب الكراهية في العالم العربي في سنوات الاقتتال في العراق بحسب منظمات دولية. بقي مشعان يمارس هذا الدور الى عام ٢٠١١ حيث اندلعت ما سمي بالربيع العربي، ليقفز الرجل لحضن الديكتاتور معمر القذافي، محولًا منبره الى صوت للقذافي المختبئ، وقد اعترف بتلقيه اموالًا طائلة من القذافي جراء تلك الخدمات. وحين قتل القذافي واضطربت دمشق واضطرت لتغيير سياستها تجاه بغداد، لم يجد مشعان بُدا من تغيير البوصلة، فراح يغازل بغداد ايما مغازلة، ويهاجم البرزاني وعائلته ابشع هجوم، محرضًا ضدهم اشد تحريض، حد قوله انه صاحب ثأر شخصي مع مسعود برزاني الذي اتهمه بقتل ابيه ركاض ضامن الجبوري وتهجير عائلته. استمر مشعان ببث هذا الحديث والدعوة الى بغداد بضرب التمرد الكردي، وايقاف مسعود عند حده، وكل هذا الحديث الذي ظاهره مصلحة العراق، وباطنه البحث عن منفذ لولوج الساحة العراقية من جديد، ونجم قبيل انتخابات ٢٠١٤ من العودة للعراق، والترشح للانتخابات الثانية لكنه لم يفز، بل بقي كعضو احتياط، ثم اصبح نائبًا بعد ذلك، وتغيرت بوصلة خطابه مرة تلو الاخرى حسب الاهواء والمصالح. في الازمة الاخيرة بين بغداد واربيل، وقف الجبوري في المنطقة الوسط، منتظرًا الطرف الذي يريد انصاراً ليبدأ المساومة معه، وهنا وجد الفرصة سانحة بعد ان نجحت بغداد بعزل مسعود قانونيًا، فرصته في ان يقفز الى جانبه، مدعيًا انه يعارض اجراءات بغداد ضد الأخوة الكرد ويرفض سياسة الحصار والتجويع، في موقف لا ينم الا عن انتهازية واضحة ومحاولة منه لركوب موجة هذا الانقسام، لبيبع ولائه هذه المرة لمسعود، مهما كان العراق قد تضرر من هذا الرجل المتغطرس والمتهور والدكتاتور، الى حد تحوله لتهديد جدي على وحدة العراق وسلامة اراضيه. ان سيرة مشعان لا تذكرنا سوى بلاعبي السيرك الذين يجيدون تقليد الكثير من القردة والمهرجين، لكنهم سيعجزون بالتأكيد عن تقليد، ومجاراة هذا القرد المسمى مشعان البهلوان !
*
اضافة التعليق