بغداد- العراق اليوم: صاب العبادي في مواقفه بإصراره على شرعية الدستور ومنطق الدولة وحصل بذلك دعم المجتمع الإقليمي والدولي. لكن لن تقدر حكومة العبادي على تجاهل تبعات الإستفتاء وعليها المبادرة بمشاركة تركيا وايران المسؤولية في صناعة الموقف وتحمل تبعاته. لن يكفي الدعم الدولي والاقليمي في صناعة السلام وعلينا تعبئة نخب عراقية في مسارات متكاملة من أجل حفظ الأمن ودفع الفتنة والتفاوض مع الاقليم. لقد نجح البارزاني في لعبة الاستفتاء وعزز قيادته التاريخية للكرد، وتجاوز رزمة خلافات داخلية، وإستحقاقات مالية ومطالب سياسية، ولكن لن يقدر البارزاني على تجاهل ايران وتركيا، وسيتعامل معهم بواقعية ويقبل مطالبهم ويطمئنهم على مسار ومستقبل الاقليم وأعتقد ان البارزاني لن يتنازل عن نفط كركوك مهما كان الثمن، ويحزنني ان أرى هذه المدينة المختلطة المتنوعة تسير نحو التمزيق الدموي. أكبر أزمة في طريقنا هي كركوك. وستكون أصعب أزماتنا بسبب النفط الذي سيتقاتل عليه الجميع. لأن كركوك رمز تنوع العراق. أتذكر اقتتال عام 96 بين الطالباني والبارزاني وسببه حينها نزاعهما على عائدات تهريب سكائر ومشروبات (ريع 50 ألف دولار يوميا). لقد حاول المرحوم الجلبي آنذاك وقف نزاعهما، وهما ركنا المؤتمر الوطني العراقي الموحد، وذهب ضحية ذلك النزاع أكثر من 5 آلاف مقاتل من البيشمركة. الزعماء اليوم هم هم ، والأحزاب هي هي، ولكن عائدات النفط أكبر من عائدات السكائر بألف مرة، ومعاركها ستكون أكثر شراسة إن حصلت لا قدر الله أعرف جيداً الشخصيات الكردية والأجنبية التي اجتمعت في أربيل لتدير ملف الاستفتاء (ومنهم السفير زلماي والسفير غالبريث)، وأتذكر جيدا ما قاله لي غالبريث في 2005 حينما اقام لمدة ثلاثة أسابيع في بيت البارزاني في المنطقة الخضراء، فقد قال لي انه كتب بنفسه مسودة الدستور وقال انه وضع فيه ما يزيد على طموح الكرد، و ان ما كتبه في الدستور هو قمة ما يمكن ان يحصل عليه أي إقليم فيدرالي في العالم، ما عدا الانفصال. (حصل غالبريث بسبب خدماته على امتياز وثروة نفط) وألف بعدها كتاب (نهاية الدولة العراقية). أعرف الكثير عن شخصية زلماي من خلال عملي في بغداد عام 2005 وعرفته لسنوات في عملي السابق في المؤسسة الوطنية للديمقراطية وهو واحد من عشرات الخبراء الذين يدفع لهم سياسيو الكرد في حملات اللوبي والترويج في واشنطن. بغض النظر عن مسار وتوقيت الانفصال، فان العراق دخل مرحلة جديدة تتطلب رؤية وخطابا جديدين. لم تكن ابداً مشكلة العراق في تنوع شعبه، ولكن في عجز الإيديولوجيات السياسية فيه عن صناعة الحلول وفشل الأحزاب في مساءلة الزعماء. وستكشف أزمة كركوك المقبلة عن عجز الدعوات العنصرية المتلبسة الثوب القومي ، وعن قبح الدعوات الطائفية المتلبسة الثوب الديني، وأن هذه الدعوات صارت من مشاكل العراق ولن تصنع حلوله. لن يقدر أحد على فصل العراقيين عن بعضهم البعض بالقوة كما تفعل بورما مع الروهينغا، وكما فعل صدام في أنفاله، وكما فعل ميلوسوفج في البوسنة إذ سيبقى العراق غنيا بتنوع أهله ولن يكون شعبه اقطاعا (متنازعا عليه) ولن يكون أهله غنائم زعماء وأحزاب ولابد أن يعود أقوى وأفضل. ستبقى كل مدن العراق مختلطة ثقافيا وعرقيا ودينيا وهي ثروة العراق وجمال نسيجه على مر التاريخ. الاسابيع القادمة ستكون صعبة مملؤة بالفتن ولا بد من ضبط الكلمة، ودقة حساب الموقف لنتفهم مجددا وبقلوب مفتوحة تصويت الكرد للإنفصال ونؤكد لهم مجدداً حبنا وحرصنا على مستقبلهم ولنمتنع كاملا عن ترويج كلمات الشر. لندعم تلاحم العراق عبر حسن استخدام الاعلام المجتمعي بنشر الكلمة الطيبة والإمتناع عن نشر كلمة السوء وفضح سموم الجيوش الالكترونية. لنتواصل مع كل اعلامي حر ونطلب منه إعلاء الكلمة الطيبة والدعوة الى حماية كل أهل العراق وعدم المشاركة في الفتن القادمة لنتواصل مع كل قريب له نفوذ سياسي او حكومي ونسأله أن يعمل بمسؤولية على مراعاة كل المواطنين وإن خالفوه الرأي والموقف السياسي. (قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان للإنسان عدو مبين).
*
اضافة التعليق