محمد صاحب الدراجي : استفتاء الكرد . هل العراق اكثر ديمقراطية من اسبانيا ؟

بغداد- العراق اليوم:

المهندس محمد صاحب الدراجي

استفتاء الكرد . هل العراق اكثر  ديمقراطية من اسبانيا ؟

بدأ قرع طبولِ الانفصال في اربيل وليس الاستقلال. اذ لاتوجد استقلالية تامة و مطلقة لأي اقليم او محافظة او بلدية في العالم كما هي في اقليم كردستان ، مع العلم في العام ٢٠٠٥ كان هناك استفتاء مشابه ولا نعلم ما الفرق بين الاستفتائين!.

يتزامن هذا الاستفتاء الاربيلي مع طلبات لاستفتاء برشلوني لانفصال كاتلونيا عن اسبانيا.

وبمقارنة بسيطة بين تعامل الحكومة المركزية الاسبانية وبين السلطات العراقية نجد ان تعامل الاسبان كان واضحاً وصريحاً وحازماً وعملياً لدرجة صدور قرار بمصادرة صناديق الاقتراع، واوراق الاستفتاء في حال حصوله، وهي الدولة الديمقراطية التي يحكمها نظام ملكي دستوري وحكومة منتخبة وعضو رئيس في الاتحاد الاوربي، بينما نجد تعامل السلطات الاتحادية العراقية مع موضوع استفتاء اقليم كردستان يتسم بالارتباك، فبينما نجد اشارات خجولة من قبل الحكومة بعدم دستورية الاستفتاء وهذه النقطة من الواضحات التي لاتحتاج الى توضيح، واعتقد ان الحكومة آثرت الاتكاء على الموقف الدولي والاقليمي في ثني مسعود برزاني عن طموحه في تصدير ازماته الداخلية من خلال خلط اوراق البلد بموضوع استفتاء انفصال اقليم كردستان، واحتفظت لنفسها بالهدوء المعهود في الازمات ورمي الكرة في اي ملعب اخر بانتظار ان يحل الاخرون ازماتها.

وفي محاولة من البرلمان العراقي لاثبات وجوده بعد الهزات التي تعرض لها في السنتين الاخيرتين قام باصدار قرارين طغى عليهما الجانب العاطفي والجانب التحشيدي مع احترامي لمضمونيهما. وهما قرار رفض الاستفتاء وقرار اقالة محافظ كركوك، مع اني متفق تماما مع مضمون القرارين، لكنهما غير قابلين للتطبيق في هذا الظرف، والسبب هو عدم احترام اصحاب القرار في كردستان لهذه القرارات، بل على العكس فقد ادت الى زيادة التعنت الكردي في موضوع اجراء الاستفتاء وبذلك اصبح اثر هذين القرارين اثرآ سلبياً على الوضع وافقد هذا التصعيد مسعود برزاني والقيادة الكردية سلم النزول من برج احلام الاستقلال الى ارض الواقع الجيوسياسي في المنطقة.

ان القيادة الكردية المطبلة بالاستفتاء كانت تريد الوصول الى قمة التصعيد، ومن ثم تبدأ بالتفاوض من موقع القوي في ظل ضعف ردة الفعل الحكومية من المركز، لكن قرارات مجلس النواب، جعلت المشهد محرجآ للكرد ودفعت بالفرقاء الاكراد الى التجمع والتوحد من جديد لرفض هذه القرارات.

 كان الاجدر ان يتم استقطاب جزء من المنظومة السياسية الكردية الى جانب الجبهة الوحدوية بدلا من دفعهم الى التخندق القومي وجعل من يقف مع وحدة العراق منهم عرضةً للتخوين.

وهناك موقف اخر لم يكن بحساب القيادة الكردية، الا وهو موقف الحشد الشعبي، فقد كان الكرد يعتقدون حين يفكرون بالانفصال والزحف على الاراضي العربية ان معركتهم - ان حدثت - فستكون مع العرب السنة، كونهم هم المتواجدين في هذه المناطق فاستفادوا من اثار الاحتلال الداعشي للاراضي التي يسكنها السنة في العراق، وتشريد اهلها باعلانهم الاستفتاء في هذا الوقت وشمولهم به لمناطق عربية يسكنها السنة، يصطلح عليها اسم المناطق المتنازع عليها، لكنهم تفاجأوا بموقف مؤسسة الحشد الشعبي الرافض للانفصال والرافض اكثر لسياسة الامر الواقع بقضم الاراضي.

وتسليماً بعدم دستورية وقانونية الاستفتاء لو ننظر من الناحية العاطفية الجماهيرية نرى انه بالرغم من الجو العام المنادي بوحدة العراق ورفض انفصال الاقليم نجد ان هناك جواً شعبياً من نوع اخر يستند الى مبدأ مقولة شعبية هي ( المايريدك لاتريده) مشفوعاً بمعطيات مفادها، ان وجود الكرد في العملية السياسية، وفي الوضع الاداري للدولة له مضاره اكثر من نفعه وان الاكراد لديهم (دولة ونص) فهم يتمتعون بكامل الاستقلالية بالاقليم ويشتركون معنا في اداره الدولة الاتحادية وفي مناصب ليست اتحادية كوزارة الصحة او الاسكان او الثقافة كمثال على  ذلك.

ان اشتراك الكرد اساساً في العملية السياسية وعدم انفصالهم بعد استفتاء ٢٠٠٥ لم يكن برغبتهم في دولة موحدة، انما وجدوا فيها فرصة للحصول على مغانم أضافية من جراء ضعف الوضع السياسي والاداري في البلد اضافةً الى ارتباك شركائهم السياسيين من الشيعة، لقلة خبرتهم في ادارة الدولة، ووقوع شركائهم السنة تحت تاثير خسارة السلطة، واختطاف التمثيل السياسي السني من قبل اما مع البعثيين او المتشددين في بداية تاسيس مرحلة مابعد ٢٠٠٣.

ان هذ الجو الناقم على الوجود الكردي والذي يشعر بان انفصال الكرد فيه منفعة، او على الاقل تقليلاً للضرر. ايقبلون في ذات الوقت بان يستولي الكيان المنفصل على شبر واحد من الأراضي التي تم تسميتها  متنازع عليها، من الممكن  ان يتغاضى  ويقبل ان يصبح الانفصال امرا واقعا على الاراضي التي تقع شمال الخط ٣٦ والتي كانت مشمولة بقرار الامم المتحدة بحظر الطيران بعد انتفاضة عام ١٩٩١ ، اما ماعداها فهو يعتبر تجاوزاً، لاأعتقد انه سيتم السكوت عليه لا جماهيريا ولا سياسيا ولا عسكريا.

اخشى ان ضعف الموقف الحكومي والذي يشجع القيادة الكردية بالمضي في مشروعها هو نفسه سيؤدي الى تحرك غير مسيطر عليه من قبل الحكومة لمنع التوسع على حساب الاراضي المتنازع عليها،  واقصد بالتحديد آبار النفط في كركوك، وهذا التحرك قد يودي لاسمح الله الى نزاع مسلح، وفتنة شعبية، يتجاوز حيزها خطوط التماس.

وعليه فانا ادعو الحكومة العراقية ممثلة بمجلس الوزراء الموقر الى اتخاذ القرارات والاجراءات التي من شانها نزع فتيل هذه الازمة، والتي يجب ان تكون حازمة وواضحة، ولاضير من ان تستفيد الحكومة العراقية من اجراءات الحكومة الاسبانية تجاه اقليم كاتالونيا.

نعم نؤمن بالديمقراطية، ولكن ليس الى حد خرق الدستور، فاسبانيا ليست اقل ديموقراطية من العراق، واربيل ليس باقوى من برشلونة!!

 

 

علق هنا