بغداد- العراق اليوم:
أَوْلى التشريع الاسلامي الخطبة الهادفة عنايةً فائقة مُدركا دورها الفاعل في البناء والتربية وتوضيح المفاهيم الاسلامية والاحكام الشرعية وتبيان المواقف السليمة ازاء الاحداث العامة . ” من هنا كانت الخطبتان في صلاة الجمعة واجبتين ” وهما بدل الركعتين الاخيرتين . إنَّ المسلمين وهم يواجهون التحديات الساخنة لرسالتهم وهويتهم ويصارعون قوى الظلم والظلام ويتعرضون للاغراءات العريضة التي تدعوهم للانشداد الى الدنيا وملذاتها بعيداً عن هموم الآخرة لفي أشد ألوان الحاجة الى هذه الخطب البنّاءة . والخطاب الرسالي الهادف هو الذي يقوم بدور التوعية والتثقيف والتعبئة في خضم هذه الأمواج من الفتن والتحديات . وهو من أقوى الاسلحة وأبلغها أثراً متى كان مستكملاً لشرائطه الموضوعية والفنية . ونقرأ في سورة الجمعة قوله تعالى : ” واذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا اليها وتركوك قائماً قل ما عند الله خيرٌ من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين (الجمعة /11) . والآية الكريمة تندد بأولئك الذي تركوا النبي (ص) قائماً على المنبر وخرجوا بينما ظل (ص) يواصل خطبته الشريفة وقد ذكروا أنه ” لم يبق في المسجد الا أثنا عشر رجلاً وامرأة ” . ورووا عنه (ص) انه قال : “والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى أحد منكم لسال بكم الوادي ناراً ” راجع تفسير الأمثل ، ج18 / ص 306 – 307 واليك ما جاء في دائرة المعارف الاسلامية ج8،ص307 عن الخطبة الخطبة :كلمة عربية وهي الخطاب يجاهر به الخطيب ولها مكانها المحدد من شعائر الاسلام وتعني بذلك الخطب التي تلقى في صلاة الجمعة وفي العيدين … يقول الاستاذ احمد محمد شاكر في تعليقه على ما كتب في دائرة المعارف الاسلامية ج8/ هامش ص374 : الخطبة مطلقاً – سواء أكانت للجمعة ام للعيدين أم غيرهما – إنما هي تعليم وارشادوتنظيم في كل شؤون المسلمين من عبادة ومن خلق ومن نظم للحكم ومن فصل القضاء في وقائع فردية ومن تحريض على الجهاد وتنظيم للجيوش والسرايا وتعليم للافراد واجابة سائل مستفيد تشمل كل هذه الامور . وجاء في هامش ص375 من نفس المصدر : ” المنبر لم يصنع للنبي ص من أول دخوله دار الهجرة بل صنع بعد ذلك” . الخطاب الرسالي أثمن من أن يباع بدارهم والخطيب الرسالي يربأ بنفسه ان يجعل خطابه في عداد البضائع السوقية التي تقع محلاً للسوم – زيادة أو نقيصة – ومن روائع ما قرأت هذه الرواية في كتاب الوسائل للحر العاملي ج6،ص666 : ” أتى رجلٌ امير المؤمنين ع فقال : يا أمير المؤمنين والله إني لأحبك فقال له : ولكني أبغضك . قال : ولم ؟ قال : لانك تبغي في الاذان كسباً وتأخذ على تعليم القرآن أجراً ” . الكلام البليغ وقوة تأثيره ونقرأ في سورة فصلت / 26 قوله تعالى : ” وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوْا فيه لعلكم تغلِبون ” . كان مشركوا مكة يتواصون بعدم الاصغاء لما يقرأه النبي (ص) من القرآن وكانوا ينشغلون عنه عند قراءته برفع الاصوات بالخرافات والهذيان حتى يشوشوا عليه قراءته ولا يتمكن أصحابه أيضا من الاستماع اليه . والسؤال الان : لماذا كل هذه المخاوف من الاستماع الى القرآن ولماذا كل هذه الاساليب الملتوية في التشويش عليه ؟ والجواب : انها الخشية من التأثر بالموعظة الربانية التي لابدّ ان تترك آثارها في النفوس . ويبدو ان ورثة أولئك الكفار هم الذين يواصلون التحذير من الانشداد الى الخطب الرسالية الهادفة مختلقين ألواناً من الذرائع الواهية … ينبغي الالتفات الى اسلوب القرآن وطريقته في معالجة الأمور فرغم ان الآية وردت في مقام التنديد بخروج الخارجين من المسجد أثناء خطاب الرسول (ص) لم تقل (واذا رأيتم تجارة …) بل قالت ” واذا رأوا ” انه لا بُدَّ من تكثيف الخطاب التنويري المتصدي للخرافة وكشف الحقائق واقتلاع الانحراف من جذوره …
*
اضافة التعليق