كيم جونغ أون طفل يملك العاب نووية

بغداد- العراق اليوم:

اقتطع السوفييت بالتوافق مع الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الثانية القسم الشمالي من كوريا بمساحة 120 ألف كيلومتر مربع وعدد سكان يبلغ حوالي 25 مليون نسمة.

واقتطعت الولايات المتحدة الأميركية الجزء الجنوبي بمساحة 100 ألف كيلومتر مربع وعدد سكان يقارب الـ49 مليون نسمة باعتبارها أرضاً تابعة لليابان المهزومة.

تأسس في الجزء الشمالي نظام شيوعي، تولّى سلطته كيم إيل سونغ كأول رئيس حكم البلاد لمدة 46 عاما، ثمّ ابتدع نظام توريث السلطة إلى ولده كيم جونغ إيل الذي حكم ما يقارب 17 عاما، ثم ورّث بدوره السلطة لابنه الأصغر كيم جونغ أون من زوجته كو يونغ هي منذ 2011. وهو مارشال كوري يسمى “الوريث العظيم”، وهي رتبة عسكرية تعادل “فريق أول” في الجيش الشعبي الكوري الذي يحتلّ المرتبة الرابعة عالمياً، ويضفي على البلاد شكل الثكنة العسكرية المهيمنة في كل مرافق الحياة، بما فيها التعليم والوظائف المدنية.

ولد الوريث العظيم في 8 يناير من العام 1983 ودرس في مدرسة بيرني الدولية في سويسرا حتى نهاية التسعينات من القرن العشرين تحت اسم مستعار.

وبعد أن كان أخوه الأكبر غير الشقيق كيم يونغ نام هو صاحب الحظ الأوفر في الزعامة، سرعان ما تكشّف أن الأخير لا يسير في الطريق الصحيح إلى الوراثة بعد أن أُعتُقِل في اليابان عام 2001 عندما كان ينوى زيارة ديزني لاند في طوكيو بتهمة حمل جوازات سفر مزورة.

وقيل وقتها “إذا كانت السلطة ستسلم إلى أحد، فليكن كيم جونغ أون لأنه الأفضل فلديه صفات رائعة، إنه سكِّير كبير ولا يعترف بالهزيمة أبداً”.

 

منذ العام 2009 كان مؤكداً لدى جميع البعثات الدبلوماسية الغربية في بيونغ يانغ أن كيم أون سيرث أباه كيم جونغ إيل كرئيس لحزب العمال الكوري ويصبح رئيساً لكوريا الشمالية. وهو الذي كان يُسمى بالكورية “يونغ ميونغ هان تونجي” والتي تعني “الرفيق الرائعً”.

 

كما طلب أبوه من سفراء البلاد بأن يتعهدوا بالولاء لابنه. كما أشارت تقارير بأنه تم تشجيع المواطنين بأن يغنّوا “أغنية ثناء” أُلِّفَت حديثاً لكيم جونغ أون، مشابهة جداً لأغنية الثناء التي يغنيها الشعب للأب. وأشارت تقارير إلى أن كيم أون زار الصين سرياً ليقدم نفسه للقيادة الصينية.

 

    كيم إيل سونغ يعد أول رئيس حكم البلاد لمدة 46 عاما، ثمّ ابتدع نظام توريث السلطة إلى ولده كيم جونغ إيل، الذي حكم ما يقارب 17عاما، ثم ورث بدوره السلطة لابنه الأصغر كيم جونغ أون منذ 2011 وهو مارشال كوري يسمى في بلاده "الوريث العظيم"

 

وحين تولى الحكم أخذ سجل هذا النظام الشاذ يزداد سوءاً بالقمع وسحق المواطنين وإعدام المسؤولين بوصفهم متهمين ومشكوكاً بولائهم، لذا تحظى كوريا الشمالية بأسوأ سجل لحقوق الإنسان والقمع والاستبداد السياسي، فقد أعدم رئيسها الحالي 15 مسؤولا لمجرد الشك بولائهم له، كما قام بإعدام مهندس إحدى المطارات لأن تصميمه لم يعجبه، وأعدم وزير دفاعه وزوج عمته ومستشاره السياسي، ووزير التعليم بسبب جلوسه في وضع غير لائق على المنصة خلال جلسة البرلمان.

 

ومؤخراً صعق العالم حين كشفت السلطات الماليزية أن أندونيسية اعتقلوها تمكنت في 5 ثوان فقط من تسميم وقتل كيم جونغ نام الأخ الأكبر غير الشقيق لكيم أون، حين كان ينتظر في مطار كِلِيَا الدولي بالعاصمة الماليزية كوالالمبور حلول موعد سفره إلى مقاطعة ماكاو حيث يقيم منفياً مع زوجته بحماية السلطات الصينية.

 

نظام مهووس

 

صحيفة ستار الماليزية اطّلعت على التحقيق الأوّلي بمقتل كيم نام البالغ من العمر 45 سنة، وذكرت نقلاً عن مدير بالشرطة الماليزية واسمه محمد فوزي هارون أن “عملاء من الخارج ربما خططوا للاغتيال” الذي نفذته امرأتان تم اعتقالهما، فيما نقلت عن مسؤولين بالاستخبارات الكورية الجنوبية أن أولئك العملاء “هم من كوريا الشمالية” مع أنه لا دليل حتى الآن يؤكد قيام الدكتاتور الكوري كيم يونغ أون بقتل أخيه، وهو ما تقوله السلطات الصينية أيضاً.

 

ويبدو طبيعياً لهكذا نظام أمني مهووس أن يثير الريبة حوله بما يكدسه من سلاح ويجهزه من جيوش لحماية نظامه بعد أن أفشل محاولات إعادة توحيد الكوريتين واتفاقيات التفاهم مع الشطر الجنوبي، وأن يكرّس موارد البلاد وطاقة شبابها لغاية حماية نظامه الشاذ، ويسعى باستمرار إلى توتير العلاقات واصطناع الأعداء ليبرر قمعه واستبداده وتجويع المواطنين، وذلك من دون إعفاء الشطر الآخر من المسؤولية، والذي نجح نظامه الديمقراطي منذ عام 1978 نجاحاً باهراً في رفع دخل الفرد إلى أعلى المقاييس العالمية.

سخرية شعبية من ترامب وكيم جونغ أون تذكر بصورة شهيرة لبريجنيف من زمن الحرب الباردة

 

ما زاد من حدة توتر العلاقات بين شطري كوريا مؤخراً ارتبط بنية الولايات المتحدة الأميركية نشر منظومة تاد الصاروخية. مما أثار غضب بيونغ يانغ وغضب حليفيها التاريخيين روسيا والصين، باعتبار أن ما يجمعهما هو خطر هذا السلاح الاستراتيجي عليهما.

 

وفي ظلّ هذا التوتر مضت بيونغ يونغ إلى التصعيد النوعي واستأنفت إنتاج البلوتونيوم وإجراء تجاربها النووية، واستأنف معهد الطاقة تصنيع أسلحة وطاقة نووية، علماً أنّ بإمكان هذا المعهد أن ينتج حوالي ستة كيلو غرامات من البلوتونيوم سنوياً، وهي الكمية الكافية لإنتاج قنبلة نووية أو اثنتين، إضافة إلى إعلان بيونغ يانغ الصريح، أنها لا تنوي التوقف عن إجراء تجاربها النووية طالما استمرت الولايات المتحدة في تهديدها لها.

 

ردت كوريا الجنوبية بإجراء أكبر تدريبات مدفعية من نوعها قرب حدودها الشمالية وجاء في بيان الجيش الكوري الجنوبي أنّ حوالي 300 قطعة مدفعية من 49 كتيبة ستشارك في مناورات بالذخيرة الحية، وتتضمن قطعا من مدفعية ذاتية الدفع، وقد جرت هذه التدريبات قبل يوم واحد من الذكرى السنوية الأولى لقصف كوريا الشمالية لخط المواجهة معها، على بعد 62 كيلومترا إلى الشمال من سول، حيث ردت هذه بإطلاق 29 قذيفة باتجاه المنطقة المنزوعة السلاح التي تفصلها عن جارتها الشمالية.

 

بيونغ يانغ ذهبت إلى تهديد واشنطن بتدمير جميع قواعدها العسكرية في آسيا والمحيط الهادي إذا مضت الأخيرة في نشر قاذفاتها الاستراتيجية في جزيرة غوام غرب المحيط الهادي، ثمّ أصدرت بياناً، نشرته أنترفاكس الروسية، قالت فيه “إنّ قعقعة الأميركيين بسلاحهم لا تهدف إلى توجيه ضربة نووية مباغتة لكوريا الشمالية فحسب بل إلى تطبيق استراتيجية خبيثة ترمي إلى ردع روسيا والصين في منطقة آسيا والمحيط الهادي والحفاظ على التفوق الأميركي هناك”. وأضاف البيان أنّ جميع القواعد الأميركية في منطقة آسيا والمحيط الهادي، بما فيها الكائنة في غوام، لن تفلت من التدمير.

 

    معهد الطاقة الكوري الشمالي يستأنف اليوم عمله، علماً أن قدراته في تصنيع أسلحة وطاقة نووية تمكنه من أن ينتج حوالي ستة كيلوغرامات من البلوتونيوم سنويا، وهي الكمية الكافية لإنتاج قنبلة نووية أو اثنتين

 

واعتبرت وزارة خارجية بيونغ يانغ أنّ خطط الولايات المتحدة الرامية إلى القضاء على كوريا الشمالية دخلت مرحلة خطرة ولا سيما بعد نشر واشنطن قاذفات القنابل الذرية في شبه الجزيرة الكورية، واستقدامها للغواصات المزودة بالصواريخ النووية، وغيرها من الأسلحة الاستراتيجية، وأمام هذا التصعيد المطّرد في الحرب الإعلامية جرت مناورات وتجارب صاروخية نووية واشتدّ التوتر مع تسجيل انشقاقات متتالية لمسؤولين شماليين منهم المسؤول الثاني في السفارة في لندن تاي يونغ هو وقدومه إلى سول ليبث رسائل مشفرة إلى جواسيس في الداخل، وقد وصل تدهور العلاقات بين الشمال والجنوب ومن خلفه أميركا إلى درجة لم تصلها منذ فترة الحرب الباردة في سبعينات القرن الماضي.

 

في منتصف أبريل 2017 زار نائب الرئس الأميركي مايك بنس كوريا الجنوبية بعد إجراء كوريا الشمالية اختبارا صاروخيا آخر، وأعلن من هناك انتهاء حقبة “الصبر الاستراتيجي” مع نظام بيونغ يانغ، وأنه من الأفضل لكوريا الشمالية “ألا تختبر عزيمة وقوة القوات المسلحة الأميركية بهذه المنطقة”، وهدَّد ترامب على تويتر باتخاذ إجراءات أحادية ضد كوريا الشمالية، ثمّ تصاعدت حدة التوتر خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث أقام نظام كيم جونغ أون استعراضاً عسكرياً ضخماً في ذكرى جَدِّه كيم، وأجرى اختباراً صاروخياً، فأشار بنس إلى أن الولايات المتحدة لن تتسامح فيما يتعلق بتلك الاختبارات، وجاء رد بيونغ يانغ بالمزيد من التهديدات.

 

ونقل موقع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي عن نائب وزير خارجية كوريا الشمالية هان سونغ ريول قوله “سوف نجري المزيد من الاختبارات الصاروخية بصفة أسبوعية وشهرية وسنوية، إذا كانت الولايات المتحدة تعتزم شنَّ هجوم عسكري ضدَّنا فسوف يتمثّل ردُّ فعلنا في إجراء ضربة نووية استباقية بأسلوبنا الخاص”.

قرار واشنطن نشر منظومة تاد الصاروخية أثار غضب بيونغ يانغ وغضب حليفيها التاريخيين روسيا والصين، باعتبار أن ما يجمعهما هو خطر هذا السلاح الاستراتيجي عليهما. وفي ظل هذا التوتر مضت بيونغ يونغ إلى التصعيد النوعي واستأنفت إنتاج البلوتونيوم وإجراء تجاربها النووية

 

خطة البيت الأبيض

 

مجمل هذه المواقف والتصريحات الحامية المتبادلة جعلت الجميع يترقب صداماً نووياً خطراً، ومما يعزز هذه الافتراضات النظرية أنّ حاكم بيونغ يانغ يرى أن ترسانة بلاده النووية وصواريخها الباليستية تقف خلف ما حصلت عليه من امتيازات فعلية من جيرانها، وأنّ حضورها العسكري المرهوب لم يأت إلا من خلال امتلاكها وسائل ردع نووية محتملة، وهي بالتالي التي تؤمّن لنظامه الحماية والردع الكافيين، وعلى حين يتصوّر الجميع أنّ توجيه أيّ ضربة أميركية إلى كوريا الشمالية سيكون مدمراً، يرى معظمهم في المقابل أنه كلما ضاقت السبل على كيم جونغ إيل أصبح أكثر استعداداً للمعاجلة بالضربة النووية، قبل أن تتمكن الولايات المتحدة من قتله.

 

وتحاشياً لحرب مدمرة تقوم خطة البيت الأبيض على زيادة الضغط على الصين لاستغلال نفوذها الكبير على نظام كيم للكفّ عن تجاربه النووية واستعراضاته العسكرية، ولكنّ بكين التي تؤهلها أسبابها الخاصة للعب هذا الدور لن تتخلّى عن بقاء نظامه في سدة الحكم، لمنع أيّ تواجد عسكري أميركي بالجنوب، رغم أنها صوتت في مجلس الأمن لصالح العقوبات التي فرضت على نظام كيم، ويخشى بعض المحللين أنّ استمرار إدارة ترامب في تهديداتها ودعم تواجد أسطولها البحري في المنطقة قد يدفع الصين إلى “التحول من منع كيم إلى معارضة الولايات المتحدة” وذلك بسبب تصريحات ترامب المتكررة التي باتت تغذي تلك المخاوف، ومنها أنه قرر “تسوية مشكلة النووي الكوري الشمالي بشكل حاسم”.

 

بين ترامب وكيم جونغ أون يترقب العالم بقلق بالغ من قد ينتقل من حرب الأعصاب وتخويف الآخر إلى التورط في حرب نووية مدمرة، لا سيما أن كيم جونغ أون يعتقد أنه غير قابل للترويض، وأن في مقدوره دفع الجميع لمداراته وطلب وده، ولكن ورغم هذا الاندفاع المجنون لكلا الخصمين لا بدّ من أن يعتصم كل منهما بأعصاب فولاذية كي لا ينزلق عن حافة الهاوية، وترك المجال للصين التي قد تنجح في نزع فتيل التأزيم، إذ لا مصلحة لها في مواجهة نووية مع حاكم بيونغ يانغ الذي لا يجازف في إغضابها في ظلّ سعيها إلى إقامة علاقات ناجحة مع ترامب، لكنها تدرك أنها تسوية مرحلية لا تحقق لكيم رفع العقوبات عن بلده والاعتراف به دولةً نوويةً والاحتفاظ بصواريخه وقنابله، وإملاء شروطه الأمنية على كوريا الجنوبية للحدّ من الحماية الأميركية التي تحظى بها، وكذلك شروطه المالية والاقتصادية للاستفادة من مواردها.

علق هنا