بغداد- العراق اليوم:
لا يمكن الفصل بين معركة جرود عرسال عن التطورات الميدانية والإقليمية التي تترسخ في المنطقة منذ أشهر. ومن الطبيعي أن يأتي هذا الحدث في سياق حرب أعم وأشمل، عنوانها ضرب التنظيمات الإرهابية من الموصل إلى الحدود العراقية - السورية ومنها إلى الرقة ودير الزور والبادية السورية، وصولاً إلى التنف في جنوب شرق سوريا.
سعت التنظيمات الإرهابية إلى اللعب على الوتر الإنساني وعلى الوتر المذهبي
أضحت معركة الجرود هي التتمة الاستراتيجية للمعادلات الجديدة التي تترسخ في الإقليم، مع اندحار "داعش" في الموصل، وتطويق "قوات سوريا الديموقراطية" مدينة الرقة، وتحرير الجيش السوري مساحات واسعة في الأطراف الغربية والجنوبية لمحافظة الرقة، واستعادة أكثر من 40 حقلاً نفطياً في المنطقة، والاستعداد من هناك لتحرير ما تبقى من ريف حماه الشرقي تحت غطاء جوي روسي.
ومع الطوق الذي تسعى القوات السورية إلى استكماله حول دير الزور، ولا سيما من منطقة السخنة، آخر معاقل "داعش" في ريف حمص الشرقي انطلاقاً من تدمر، ومع وصول القوات السورية والقوات الحليفة لها إلى الحدود السورية - العراقية على مسافة 70 كيلومتراً من التنف واستمرار تقدم الجيش في ما تبقى من بادية ريف دمشق، باتت الحكومة السورية تمسك بأكثر من 40 في المئة من الجغرافيا السورية.
وسواء في العراق أو في سوريا، يمضي جيشا البلدين مع القوات الرديفة، في الإمساك بكل الأراضي التي استولى عليها "داعش" في ذروة صعوده عام 2014. هذا الاندحار على المستوى الإقليمي للإرهاب لا يمكن أن يكون مكتملاً إذا ما بقي للجماعات الإرهابية موطيء قدم في لبنان. ووجود هذه الجماعات في بقعة استراتيجية على الحدود اللبنانية - السورية يشكل تهديداً للبنان وسوريا. وسبق لهذه الجماعات أن استخدمت هذه المنطقة لإرسال السيارات المفخخة إلى الداخل اللبناني، كما إنها نفذت عمليات تفجير ضد مواقع للجيش اللبناني، وحاولت التقدم نحو بعض البلدات مثل رأس بعلبك والقاع بعد تنفيذ عمليات انتحارية. والأخطر من ذلك تحاول الجماعات الإرهابية في الجرود اتخاذ مخيمات اللاجئين السوريين في عرسال ومحيطها مكاناً للاختباء والتواري وتشكيل خلايا نائمة. وبذلك تقوم باستغلال المسألة الإنسانية في المخيمات لأغراض إرهابية. وفضلاً عن ذلك تحاول الجماعات المسلّحة تحريك الغرائز الطائفية في محاولة لتشكيل خط أحمر داخلي يمنع الجيش اللبناني أو "حزب الله" من شن عمليات ضد مواقع الإرهاب في الجرود.
وبذلك، سعت التنظيمات الإرهابية إلى اللعب على الوتر الإنساني للاجئين وعلى الوتر المذهبي، كي تحمي نفسها في بؤرة كانت تمنّي النفس بأن تبقى ملاذاً آمناً لها في وقت تنهار مواقعها في كلٍ من سوريا والعراق. وربما هذا البعد الخطير الذي حاولت التنظيمات الإرهابية أن تستغلّه من خلال رفضها كل المحاولات التي جرت من أجل إنهاء ملف الجرود بطريقة سلمية بتأمين انسحاب عناصر "جبهة النصرة" و"داعش" من الجرود إلى إدلب أو دير الزور. فالتنظيمان ربما كانا يراهنان على أن عوامل كثيرة ستحول دون اتخاذ الجيش اللبناني أو "حزب الله" من اتخاذ قرار بتحرير الجرود.
لكن الحرب الأوسع في المنطقة على الإرهاب، لا يمكن استكمالها إذا ما بقيت جرود عرسال ملاذاً آمناً ل"النصرة" و"داعش". وفضلاً عن التهديد الذي يشكله وجود التنظيمين في الجرود للأمن اللبناني بالدرجة الأولى، لا يمكن اسقاط مجرى الأحداث الجارية اليوم عن تلك الجارية في سوريا. فالدولة السورية تخوض معركة استعادة الحدود حرباً أو بالتوافق مع روسيا التي تتكفل مثلاً بالتنسيق مع الأردن لإيجاد صيغة مناسبة لإعادة إمساك الجيش السوري بالحدود السورية - الأردنية وفتح معبر نصيب، لا سيّما بعد التفاهم الروسي - الأميركي على الهدنة في جنوب غرب سوريا اعتباراً من 9 تموز/ يوليو الجاري. وفي الشمال، تتولى روسيا أيضاً تهدئة مناطق التماس مع تركيا أو مع الفصائل السورية الموالية لتركيا أو مع الفصائل الكردية، وخصوصاً "قوات سوريا الديموقراطية". أما الجانب العراقي، فيوجد تنسيق أمني انطلاقاً من غرفة العمليات الرباعية التي تضم سوريا والعراق وروسيا وإيران. والهدف من ذلك العودة إلى الإمساك بالحدود السورية - العراقية، ويصب استعداد الحشد الشعبي العراقي لمعركة تلعفر في هذا الجانب.
ووسط هذه السياقات لا يعود مقبولاً ترك جرود عرسال بقعة تتمتع فيها "جبهة النصرة" و"داعش" بحرية الحركة وسعيها الدؤوب إلى استغلال مخيمات اللاجئين في لبنان لتنفيذ هجمات، وسيفاً مسلطاً على أمن سوريا وأمن لبنان.
*
اضافة التعليق