بغداد- العراق اليوم: كتب عبد الباري عطوان: الصدف ليس لها أي مكان في السياسة اللبنانية الا في حالات نادرة، فمعظم الخطوات والتحالفات والتشكيلات الوزارية محسوبة وفق عرف سياسي يتوافق الجميع على عموده الفقري، واذا كانت هناك خلافات فتنحصر في التفاصيل وليس الجوهر.
في هذا الاطار يمكن فهم استقبال الرئيس اللبناني الجديد ميشال عون اول المهنئين الرسميين له في قصر بعيدا، ونحن نتحدث هنا عن السيد منصور عزام، وزير شؤون رئاسة الجمهورية السوري، الذي حل بالقصر موفدا من الرئيس السوري، ومن المتوقع ان يكون السيد احمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني، الذي وصل الى بيروت ظهر اليوم المهنئ الثاني، فهذه هي الصورة الاوضح لـ”لبنان الجديد” الذي تترسخ اسسه بسرعة. المحور السوري الإيراني انتصر في لبنان بانتصار حلفائه، ونتيجة لانسحاب النفوذ السعودي مكرها ومعترفا بالهزيمة، ولو مؤقتا، بعد ما يقرب من ثمانية عقود من المواجهات والمماحكات، وصياغة التحالفات والتكتلات، وانفاق المليارات في هذا الاطار في المجالات الإعلامية والسياسية والاجتماعية. لا نعرف ما اذا كانت المملكة العربية السعودية ستوفد وزيرا الى قصر بعبدا لتقديم تهاني قيادتها الى ساكنه الجديد بالفوز، وانفراج ازمة الرئاسة اللبنانية بعد 45 اجتماعا فاشلا لمجلس النواب، ولكن ما نعرفه، وشبه متأكدين منه، انه في حال وصوله، لن يكون من بين المهنئين الخمسة الأوائل، ولن تكون تهنئته نابعة من القلب مهما قدم صاحبها من ابتسامات ومجالات كلامية. لبنان عاد الى الحضن السوري الإيراني، ودون ازهاق نقطة دم واحدة، وعبر “القوة الناعمة” لحزب الله، والنفس السوري الطويل، والصبر الإيراني الأطول، وعلى حساب النفوذين السعودي الإسرائيلي، فمن كان يصدق ان يصوت الدكتور سمير جعجع، قائد القوات اللبنانية للجنرال عون غريمه السابق، ومرشح حزب الله؟، ومن كان يتوقع ان يدير السيد سعد الحريري ظهره لحاضنته السعودية يأسا، ويتوجه الى الضاحية الجنوبية بحثا عن صفقة تعيده الى رئاسة الوزراء، في مغامرة قد يكون فشلها مكلفا جدا له وعائلته وطائفته وحلفائه؟ الاستراتيجية الإيرانية في تأسيس حزام من الحلفاء يمتد من مزار شريف في أفغانستان، مرورا بطهران وبغداد ودمشق، وصولا الى بيروت، حيث مياه البحر الأبيض، المتوسط حققت معظم أهدافها، ان لم يكن كلها، وان يكون الوزيران السوري والإيراني اول المهنئين للرئيس اللبناني الجديد هو تأكيد رسمي إضافي على نجاحها. لا عزاء لقصيري النظر والمترفين، وأصحاب الرهانات الخاطئة الذين يعتقدون ان التحالف مع إسرائيل هو المخرج لهم، في وقت يبتعد عنها حلفاؤها اللبنانيون بعد ان استوعبوا الدروس جيدا، والتحقوا بقطار المقاومة ولو مرحليا. “راي اليوم”