سعدي وأدلر وسقراط

بغداد- العراق اليوم:

مؤسف ما انتهى إليه سعدي يوسف الذي كنا نحفظ قصائده ونعده رمزا من رموز التقدمية. مؤسف مآل من نبتت تجربته الشعرية في دمائنا، خصوصا أنه تجاوز الثمانين ويفترض به أن يكون الآن أكثر صفاء بفعل عمق التجارب التي خاضها. لماذا انتهى سعدي إلى هذا المصير؟ لماذا أصبح مثالا للشيخ الخرف المغرور وهو كان بوصلة نتابع وجهتها؟ سؤالان يصعب الاجابة عليهما طالما نحن نناقش تقلبات يحتاج تفهمها إلى حفر سيكولوجي وثقافي واجتماعي. أيكون صاحبنا عابثا يتلذذ بإثارة الآخرين ويستعذب تلقي شتائمهم، أم إنه يشعر في دواخله بالإهمال فيتعمد استثارة انتباه الآخرين ولو بطريقة الصبيان؟ لا أتحدث عن شتمه شخصيات رمزية كبيرة مثل عريان السيد خلف أو كوكب حمزة أو عبد الوهاب الساعدي، وقبلهم جلال طالباني والسيستاني والشيخ زايد ووصل به الأمر إلى عائشة أم المؤمنين. لا أتحدث عن الشتم فقط بل عن المنطق الاستعلائي الذي يكمن في مثل هذه الكتابات تحديدا. من أين له كل هذا اليقين بمعارفه؟ كيف تسنى له الحكم بلغة قاطعة على الآخرين بالطريقة التي نراها؟ من أين استمد سلطة أن يسب ويتفوه بـ»تفو» مثلا على مثقفين كبار وشخصيات لها رمزية عند الآخرين؟ من أعطاه هذا الحق سوى غروره؟

وأنا أقرأ ما يكتبه هذا الشتام يأتي في ذهني تقسيم الفريد أدلر لأنواع الشخصيات الإنسانية، ومنها الشخصية العدائية التي تهاجم الآخرين بقسوة لتحرير غرورها واستعلائها. يقول أدلر إن «بعض الأفراد يستخدم ذكاءه الفطري في محاولة لرفع نفسه فوق باقي البشر عن طريق أن يجرح شخصيات الآخرين ويلسعهم بلسانه الحاد ونقده». ويضيف أن هذا السلوك ربما يعبر عن استمكان عقدة يسميها الإبخاس، وتعني «إبخاس قيمة الآخرين» بالحط منهم بكل طريقة ممكنة. هل يصح هذا مع سعدي؟ نعم يصح رغم أنه قد يوهمنا للحظات أنه ليس كذلك، أي ليس مغرورا أو مستبدا ثقافيا. يقول أدلر، بهذا الخصوص، أن بعض المغرورين قد يجهدون لإيهامنا بعكس ما تستبطن دواخلهم. تراهم مثلا يتواضعون في مظهرهم العام وحركاتهم، لكن ذلك الخداع سرعان ما يتكشف بمجرد أن يشرعوا في الخطاب. وثمة درس رائع قدمه لنا سقراط في احدى اللحظات. لقد كان ثمة خطيب شاب ممتلئ تبجحا، لكنه كان يرتدي ملابس مهلهلة لخداع الجمهور. وفي ذات مرة، اعتلى الشاب المنبر فقال له سقراط ـ أيّها الشاب، إن غرورك يطل علينا من خلال كل ثقب في ملابسك.

أي نعم. أيها الشيخ، إن غرورك يطل علينا من كل ثقب في ملابسك. فهل كنت كذلك طوال عمرك أم هو حظك التعس «وهدنك» قبل نهايتك فصرت ما نراه الآن؟ لا ندري، وأنت أيضا ربما لا تدري أيها المسكين فتأمل!

علق هنا