بغداد- العراق اليوم:
تضعف العراقية لكنها لا تموت في نفس كل من اغترف من دجلة، او بلل شفتيه بماء الفرات، فالروح العراقية قد تُضعفها سنوات إغتراب طويلة، أو "تقيةً" مؤقتة لتجنب سهام الحساد والحاقدين على العراق وشعبه، او تخفيها الرغبة بعدم الاصطدام بجمهور ينقصه الوعي كثيراً، ونقصد الجمهور العربي، لكن هذه الروح سرعان ما تتفجر عند المنعطفات الحادة، او اللحظات الحاسمة التي يمر بها العراق، فتخرج تلك الدفقات المحملة بالشوق واللهفة والحب، وفوقها ذلك الشعور الجميل بالتمييز، لأنك ببساطة عراقي.
المحن تطحن بأطراف العراق سنوات طويلة، ونار الحاسدين والأراذل تأكل من جسده المثخن بأوجاعه، وهو لا يجد من ابنائه تلك اليد الحانية التي تطفئ اللهب، وتوقف ذلك المُسنن الشرس الذي يلتهم اطرافه، الإ ان العراق لم يقطع الصلة بابنائه، ولم يرمِ بمحبتهم في خانة النسيان، فالعراق أب يتسع صدره لابنائه رغم ان رماح التجاهل تنغرسُ في صدره بقوة.
واحدُ ممن طال اغترابه عن العراق، وطال سكوته ايضآ عن مداواة جروحه، إنه القيصر كاظم الساهر، الذي اكتفى خلال سنوات المحنة بعبارات عمومية، وفضفاضة، للتعبير عن مصائب وآلام شعبه الذي يواجه ارهاباً قل نظيره في التاريخ، وكان الساهر يمارس بذلك تقيةً واضحة، لعدم اثارة الرأي العربي ضده، فيخسر من رصيده الشعبي جمهورآ يكن للعراق الجديد حقدآ شرسآ. واذا ما كنا منصفين، فعلينا ان ننصف الرجل من نفسه ومنا ايضآ، فنلتمس له عذراً، ونقدر حجم الالتباس والحرج الذي قد يوقعه فيه وقوفه مع طرف او جهة، حتى لو كانت على حق، فالشعب العربي يختلف عن كل شعوب الأرض، فهو شعب مصاب بالإزدواجية، وبالنظرة القاصرة، والمتقلبة، يتحول في حكمه، او رأيه، من اقصى اليسار الى اقصى اليمين خلال ثواني، أو لمجرد ان شيئآ ما قد حدث، بعيدآ عن ان يكون هذا الشيء فاخرآ، او تافهآ لا يستحق الذكر، لكن هذا يسقط تمامآ لو كان الساهر قد استمر بالوقوف موقف المتفرج، والمحايد، وهو الذي يرى ان المواجهة العادلة لا تترك لأي عراقي عذراً، فلم يعد الصعود على جبل الصمت اسلم.
الا ان الساهر لم يتأخر هذه المرة، ولم يتردد، بل واجزم انه لم يحسب لردود الفعل العربية اي حساب، فسارع بعراقية واضحة للتعبير عن فرحه بالانتصار التاريخي في مدينته الموصل، وما سطرته القوات العراقية من مأثرة وطنية، وهي تقتلع المدينة البكر من مخالب وحوش التاريخ الذين اغتصبوا عفتها سنوات عجاف .
لفد كانت تهنئة الساهر للقوات العراقية المحررة وللشعب العراقي بالانتصار صريحة، وواضحة، ونابعة من قلب وطني، فرح فعلآ بما تحقق من نصر. كما كانت ضربةً لم تحسبها جهات معينة ارادت ان يظل النصر العراقي معزولاً عن العالم الخارجي، وان تنجح في محاصرته ابعد ما يمكن، حتى لا تسمع الجماهير العربية، الا رواية اعلام عربي رسمي، يسرق النصر، ويساوي بين الضحية والجلاد، كرهاً بالعراق واهله.
اذا فإن الساهر الذي يواجه الآن حملة شرسة على تويتر، لأنه تجرأ وقال انا عراقي، يراد له الآن ان يتراجع عن هذا الإعلان، وينضم الى مجموعة اعلامية وفنية عراقية ( تداري عيشتها) وتغض نظرها عن النصر العراقي، او تتحول الى خنجر مسموم يطعن العراق، او ماكينة حقد تنفث سمها الزعاف في وسط مائدة الفرح العراقي العامرة، كما فعل المُخرف سعدي يوسف الذي حاول نهش العراقيين، فجاءته من حجارة الرجم ما اعياه، فالعراقيون سيشترون بعد الآن كل حجر العالم ليلقموا به افواه المتخرصين والحاقدين والطائفيين، حتى لو كلفهم هذا ما كلف، فإمام الدم العراقي تصبح كل الأثمان هينة.
كاظم الساهر الذي اختار ان يدفع نصيبه من هذا الثمن سيحتفظ له العراقيون بصدورهم هذا التضامن الوطني، فمهما حاول المحاولون ان يسلخوا القيصر عن عراقيته لن ينجحوا قط، إذ ستتتألق فوق سحنته المصلاوية الروح العراقية الممزوجة بغنج بغداد، وهدوئها الأميري.
فشكرا كاظم الساهر. لأنك لم تخذل عراقيتك، ولأنك جعلتنا نفخر بعراقيتنا.
*
اضافة التعليق