بغداد- العراق اليوم:
قبل عودته إلى كردستان العراق سنة 1998 كان طالباً في الولايات المتحدة الأميركية، حيث توفّي جدّه الزعيم الجنرال سنة 1979. وفي منتصف مايو الماضي، زار واشنطن على رأس وفد رفيع المستوى، ضمّ رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان؛ فؤاد حسين، وممثلة الإقليم في الولايات المتحدة؛ بيان سامي عبدالرحمن. والتقى بعدد من المسؤولين الأميركيين في البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع.
أبرز الملفات التي بحثها مع الأميركيين كان الاستفتاء على الاستقلال المزمع إجراؤه في 25 سبتمر القادم، ومستقبل العلاقات بين كردستان وبغداد. وفي غضون زيارته تلك، ألقى محاضرة رعتها مؤسسة “هيريتج” في واشنطن، حول أوضاع كردستان والعراق بعد الحرب على “داعش” وتحرير الموصل. وصحيح أن هذه الزيارة الرسميّة هي الأولى له إلى واشنطن، بعد تسلم ترامب مسؤولياته، لكنه سبقها بزيارة رسميّة أخرى على رأس وفد، تقريباً لنفس الأسباب سالفة الذكر جرت في 3 من ديسمبر عام 2016، والتقى وقتها بنائب الرئيس الأميركي وعدد من أعضاء الكونغرس ومسؤولين في الخارجية. إنه مسرور البارزاني، رئيس الأمن والاستخبارات في إقليم كردستان العراق الفيدرالي، ونجل رئيس الإقليم مسعود البارزاني. فمن هو هذا القيادي الكردي؟ وما هي حقيقة مساعي التوريث في الإقليم؟ ومتى بدأت؟ وإلى أين وصلت؟
هو الابن البكر لمسعود البارزاني. ولد سنة 1969 في هولير (أربيل) عاصمة كردستان العراق. انضم للبيشمركة عام 1985، حين كان في السادسة عشرة من عمره، شأنه في ذلك شأن والده الذي التحق بالبيشمركة في نفس السن عام 1961.
شارك مسرور في معركة “خواركوك” ضد نظام صدام عام 1988. وشارك في الانتفاضة الكردية سنة 1991. أكمل التعليم الثانوي في إيران، وعاد إلى كردستان بداية التسعينات من القرن العشرين، ثم غادرها إلى لندن لدراسة اللغة الإنكليزية. وبعدها اتجه إلى أميركا، ومنها حصل على بكالوريوس في العلاقات الدولية من جامعة واشنطن، مع مرتبة الشرف. غداة عودته إلى كردستان انتخب عضواً في اللجنة المركزية في الحزب الديمقراطي الكردستاني في المؤتمر الثاني عشر للحزب. وفي العام 2005 أسس مؤسسة البارزاني الخيرية التي قدّمت وتقدّم المساعدة إلى المشردين والنازحين واللاجئين العراقيين، أكراداً وعرباً، داخل العراق، واللاجئين السوريين؛ أكرادا وعرباً المتواجدين في مخيمات اللجوء في كردستان العراق. وتهتم المؤسسة بالجانب التعليمي والتربوي والصحي، ورعاية الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة. وقدّمت خدمات إغاثية وخيريّة خارج حدود إقليم كردستان العراق أيضا.
يجيد مسرور البارزاني الإنكليزية والفارسية والعربية والكردية. والظهور العلني له في المعترك السياسي كان في يونيو 2009، على خلفيّة مشاركته في الحملة الانتخابيّة في الإقليم الكردي، إذ ظهر يخطب في الجماهير محرّضاً إيّاهم على الإدلاء بأصواتهم لصالح “الديمقراطي الكردستاني”. قبل أن يعُيّن في العام 2010 مديراً للأمن والاستخبارات في إقليم كردستان. وتحت قيادته تمّت مشاركة المرأة في أجهزة الأمن والشرطة الكردية.
الظهور الإعلامي الأوّل له في القنوات التلفزيونية العربية كان في 23 يناير 2013 على شاشة قناة “العربية” في برنامج “مقابلة خاصة” حيث تحدّث عن جذور وخلفيات الخلاف الحاصل بين بغداد وأربيل.
وفي أواسط العام 2013 ألقى محاضرة حول الأوضاع السياسية أمام جامعة صلاح الدين في هولير. في ديسمبر 2013 وضع حجر الأساس لمشروع الجامعة الأميركية في دهوك، خلال حفل أقيم في المحافظة. وفي 14 مارس 2016، وبحضور والده مسعود البارزاني وحضور قيادات الأحزاب الكردية وبرلمانيين كرد ورؤساء الجامعات وحشد كبير من البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية افتتح مسرور الجامعة الأميركية في محافظة دهوك، وألقى كلمة بالإنكليزية. وأثناء صعوده للمنصّة وبدئه كلمته كانت نظرات والده تنضح بالفخر والسرور برؤيتهِ نجله في هذا المقام.
المشاغل الأمنية للبارزاني الابن، تجاورها مشاغل كثيرة تتجاوز مهام المسؤول الأمني، وتتعلق بقطاعات خدمية وتربوية وإعلامية. ويبدو أن كل ذلك، يجري في إطار وسياق تهيئة مسعود البارزاني لنجله كي يخلفه ليس فقط في رئاسة الحزب وحسب، وبل في رئاسة الإقليم أيضاً. وبالتالي، ليس سرا الحديث عن عملية توريث تجري بهدوء، وسط فترة جد ملتهبة
قرية “بارزان” التي تعود إليها أصول وجذور آباء وأجداد مسرور البارزاني دُمّرَت 16 مرّة خلال فترة الصراع بين الكرد والحكومات العراقية المتعاقبة. ويعتبر مسرور من أبناء الجيل الخامس لهذه العشيرة التي يقترن تاريخها بتاريخ حركة التحرر الوطني الكردستاني. إذ جمعت في تجربتها بين الجانبين الديني (الطريقة النقشبنديّة) والسياسي القومي.
فقد رفض الشيخ عبد السلام البارزاني إرسال أتباعه إلى الجيش العثماني ليقاتلوا في الحرب العالمية الأولى، وامتنع عن دفع الضرائب للدولة العثمانية، وتمرّد عليها في مدينة عقرة، فوجّهت إليه قوة عسكرية أسرته وأعدمته بعد محاكمته في الموصل عام 1916. ليتولّى قيادة الحركة الكردية في منطقة بارزان أخوه الشيخ أحمد الذي تعاون مع القوات البريطانية واستطاع بسط نفوذه على المنطقة الشرقية من كردستان. واصطدم مع الحكومة العراقيّة في العام 1932. فقصفت الطائرات البريطانية منطقة بارزان وقتلت وقتذاك بحدود 1300 شخص.
بعد الشيخ أحمد البارزاني استلم العمل العسكري المسلّح الملا مصطفى البارزاني بعد اعتذاره عن استلام المشيخة وتركها لشقيقه الشيخ صديق البارزاني.
رفض ملاّ مصطفى الاستسلام في الحرب، فلاحقته القوات العراقية لحين دخوله تركيا، ومنها إلى إيران. وفيها ساهم في تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني سنة 1945. ثم شارك في تأسيس جمهورية كردستان في مهاباد، بزعامة قاضي محمد واستلم وزارة دفاعها. وبعد انهيار الجمهورية لجأ إلى الاتحاد السوفييتي السابق وبقي هناك لغاية 1958. وبقية قصته معروفة لحين وفاته سنة 1979.
الأسرة البارزانية في إطار حملات الأنفال سيّئة الصيت التي قام بها نظام صدام حسين من 1983 ولغاية 1989، و فقدت 8 آلاف شخص.
بدأ مسرور تجربته السياسية مقاتلاً، كما أسلفنا. ثم اتجه إلى العلم والدراسة. ثم العمل الخيري. وبعد تسنّمه المؤسسة الأمنيّة 2010، علماً أن والده مسعود البارزاني ترأس أيضاً المؤسسة الأمنيّة “باراستن” على زمن الملاّ مصطفى البارزاني، اتجه مسرور لقطاع التعليم، وهو يرأس حاليّاً رئاسة أمناء الجامعة الأميركية في دهوك.
ثم اتجه إلى قطاع الإعلام وأطلق مؤسسة “باسنيوز” الصحافيّة التي تصدر صحيفة بنفس الاسم بثلاث طبعات؛ كردية بالأحرف العربية، وكردية بالأحرف اللاتينية وطبعة تركية تصدر في تركيا، وتكاد تكون المطبوعة الكردية العراقية الوحيدة التي تصدر بلغة غير كردية، خارج حدود كردستان العراق. كما أطلق مسرور قناة فضائية تعمل وفق معايير عالميّة باسم “كردستان 24” .
مسرور البارزاني بما بات يمتلكه من خبرة وحضور وكاريزما، يمكن اعتباره النسخة المتطورة جدا لوالده مسعود البارزاني
اللافت في طريقة تعاطي مسرور البارزاني في قطاع التعليم أنه أبعد الجامعة الأميركية في دهوك عن التدخّل والتأثير الحزبي والأيديولوجي، بحسب ما قيل لنا من أستاذة مدرّسين في الجامعة، أثناء زيارتنا لصرح الجامعة في أبريل الماضي. كذلك في مؤسسة “باسنيوز” وقناة “كردستان 24” ثمة خطاب إعلامي معتدل منفتح على نقد تجربة كردستان العراق بشكل عام، وحتى تجربة الديمقراطي الكردستاني أيضا.
ما يعني أنه إلى جانب المشاغل الأمنية للبارزاني الابن، هنالك مشاغل كثيرة تتجاوز مهام المسؤول الأمني، وتتعلّق بقطاعات خدمية وتربوية وإعلاميّة. ويبدو أن كل ذلك، يجري في إطار وسياق تهيئة مسعود البارزاني لنجله كي يخلفه ليس فقط في رئاسة الحزب وحسب، وبل في رئاسة الإقليم أيضاً. وبالتالي، ليس سرّاً الحديث عن عملية توريث تجري بهدوء، وسط فترة جدّ ملتهبة.
التحدّي الآخر هو مكافحة الفساد في الإقليم الكردي الذي لا تخطئه عين ووصلت روائحه إلى مشارق الأرض ومغاربها. ولعل هذا التحدّي هو أكبر وأعمق بكثير من التحدّي الأمني ومستوى التهديد “الداعشي” أو احتمالات الاختراقات الأمنية الإيرانيّة والتركيّة لكردستان العراق.
صحيح أن المؤسسة الأمنيّة في الإقليم تقف وراء إحالة ما يزيد عن 42 ألف ملف فساد للتحقيق وإيقاف صرف ما يزيد عن 30 ألف راتب شهري لأسماء وهميّة وبسبب مخالفات أخرى، وصحيح أنه تم اعتقال مسؤولين كبار للتحقيق ومنعهم من السفر ووضع اليد على ممتلكاتهم كـ”وكيل وزير المالية السابق ومدير البنك المركزي بأربيل، وعقيلة وزير الثروات الطبيعية” لكن حجم الفساد الموجود هو أضعاف ما تم كشف النقاب عنه.
مسرور البارزاني يمكن أن يكون مستهدفاً من قبل هذه القوى بهدف الإطاحة بالحلم الكردي في قيام الدولة
ثمّة تحدٍ آخر، وهو داخلي، يتعلّق بالأسرة البارزانية الحاكمة، ويتلخّص في وجود منافس قوي لمسرور البارزاني، هو ابن عمه ورئيس الحكومة نيجيرفان البارزاني. ذلك أن المنافسة بين الشخصين غير معلنة ويتم إنكارها ولكنها تظهر على أكثر من مستوى، وربما رأس الجليد فيها هو قطاع الإعلام. هذه المنافسة التي انتقلت من الجيل السابق (مسعود وإدريس) إلى الجيل الحالي، كيف يمكن معالجتها، بطريقة لا تنعكس سلباً على راهن الإقليم ومستقبله؟ الإجابة على هذا السؤال هي أيضاً من التحدّيات التي لا يمكن إغفالها.
من الأخطاء التي وقع فيها القيادي الكردي الصاعد مسرور البارزاني أنه بعد استلامه منصب المسؤول الأمني الأوّل في الإقليم الكردي دخل على خط الخلافات الحزبيّة الكرديّة-الكرديّة في الإقليم. فحتى لو كان عضواً في المكتب السياسي أو اللجنة المركزيّة لـ”الديمقراطي الكردستاني” من المفترض أن تكون الأولوية للمنصب الأمني السيادي في الإقليم، بحيث يكون على مسافة واحدة من كلّ الأحزاب الكرديّة. وأضعف الإيمان تجنّب أن يجعل من نفسه طرفاً في هذه الخلافات، أثناء التعليق عليها وإطلاق التصريحات بهذا الخصوص.
من جهة أخرى يبرز الظهور الإعلامي المتزايد له، كاشفاً لأيّ جهة مغرضة أو معادية ربما تحاول استهدافه. وربما الأكثر غرابة؛ أن الموقع الإلكتروني لقناة “كردستان 24” وفي أكثر من مكان صار يستخدم تعبير “الزعيم الكردي الشاب” أثناء تناول نشاطات وزيارات مسرور البارزاني الخارجية. هذا التعبير ما زال من المبكّر استخدامه، أقلّه احتراماً لوالده رئيس الإقليم.
مسرور البارزاني، بما بات يمتلكه من خبرة وحضور وكاريزما، يمكن اعتباره النسخة المتطوّرة جدّاً لوالده مسعود البارزاني حتى على مستوى تبنّى المشروع القومي الكردي في قيام الدولة. لذا، كتب في مايو 2016 مقالاً في جريدة “واشنطن بوست” أثار جدلاً واسعاً طالب فيه بالانفصال (الطلاق) الودّي بين كردستان والعراق. ما يعني أنه بقدر ما أن المشروع القومي وإعلان الدولة الذي يتبناه ويطرحه مسعود البارزاني مستهدف من قبل الأنظمة والجهات التي تعادي الطموحات والحقوق القومية الكرديّة في العراق والشرق الأوسط، كذلك مسرور البارزاني يمكن أن يكون مستهدفاً من قبل هذه القوى بهدف الإطاحة بالحلم الكردي في قيام الدولة وبكل ما قام به مسعود البارزاني لتحضير وتهيئة نجله لخلافته.
*
اضافة التعليق