عن الموال أيضاً

بغداد- العراق اليوم:

كنت وعدتكم باستكمال قصة المواويل عند الشعوب الثلاثة في العراق وسوريا ومصر، واليوم أود التبحر أكثر في أصل المفردة، الموال، وصولا إلى الإجابة عن سؤال: هل يرتبط الموال حقا بفن المواليا العراقي العباسي أم أنه أقدم من ذلك؟ الحق أنه لا توجد لدي أدلة كثيرة حول قدم الموال سوى ما يتناهي لحدسي من إمكانية وجود صلة ما له بما يسمونه في مصر بـ”الليالي”، أي الغناء المرتبط بلازمة “يا ليل يا عين”. يتذكر قرائي ذلك الرأي الذي نوهت به والعائد للباحث سامح مقار من أن لـ”يا ليل ياعين” أصلا قبطيا بقرينة ورود مفردة “ليلي” في مطلع ترنيمة لمريم العذراء تقول “ليلى أودي برتينوس”، ومعناها: افرحي أيتها العذراء. من يتذكر تلك الالتقاطة الرائعة سيربط الأمر فورا بمفردة “ليل” أو “ليلو” الرافدينية ومردها يرجع إلى الآلهة “ليليث”، شيطانة الليل السومرية، والتي بدورها أنتجت لنا أغاني الدللول والمواويل البادئة بعبارة “أويلي” أو “لالالا” في ريف العراق أو “اللاولالا ولالا” في ريف الشام وغير ذلك. على أن ثمة ما يمكن اعتباره قرينة قوية حول أصل قديم للموال ربما وجدناه عند العرب الذين كان الآشوريون يأسرونهم في عصر آشوربانيبال. ينقل الباحث عبد الفتاح رواس قلعجي ذلك عن هنري فارمر في كتابه “تاريخ الموسيقى العربية” من أن هناك نقوشا تعود إلى عصر بانيبال في القرن السابع قبل الميلاد وتفيد أن الأسرى العرب كانوا وهم يحرثون يمضون ساعاتهم في أغاني “أليلي” ويتلهون بموسيقى “نينجوتي” فيدهش الآشوريون ويطلبون منهم المزيد. ثم يتساءل إن كانت أغاني أليلي تلك هي نوع من أنواع المواليا التي تطورت لتكون فن الموال، ثم يتساءل إن كانت موسيقى “النينجوتي” هي الأصل المفترش لفن الموال بوصفه مناجاة أو نجوى. الحال إنه إذا صحت هذه القرينة فنحن أمام تاريخ أقدم بكثير من المواليا العباسية، لتاريخ يشتبك ويتطور ويتناسل في بلاد الرافدين أولا ثم ينتقل إلى بلاد الشام ومصر فيأخذ أشكالا أخرى قريبة جدا. ومن هذه الأشكال مثلا النوع المسمى في منطقة الفرات بـ”الموليه”، أي الأغاني البادئة بـ”ياعين موليتين.. يا عين موليه”. لقد انتقل هذا النوع إلى بلاد الشام بنفس التسمية وبنفس المطلع، ومثلما حيرنا هنا بأصل تسميته “الموليه”، كذلك حيرهم هناك فقالوا فيه ما قلنا. فثمة من رأى أنه تحدر من “المواليا” مقابل من أوله لغويا وقال إنه مكون من “مو” و”ليه”، أي ليس لي، وغير بعد عن هذا وذاك، رأى من رأى أنه يحيل للـ”ويل” و”ويليه” وهي صيغة للتفجع موجودة أيضا في المواويل. موضوع يحتمل تأويلات أخرى فانتظروا.

 

 

 

علق هنا