بغداد- العراق اليوم:
كان زميلي القطري يتكلم بثقة وتحدٍّ مستقوياً بالقاعدة الاميركية في منطقة العديد القطرية. كنا نتناقش قبل أعوام قليلة حول قدرة قطر على الوقوف بوجه الضغوط السعودية، حيث العلاقات بينهما كانت مرتبكة آنذاك. قال لي بالحرف الواحد: “لن يستطيعوا التحرش بنا، فلدينا القاعدة الاميركية وهي كفيلة بردع أي محاولة للاعتداء علينا”. تذكرت كلامه بعد يوم من بدء الحملة الإعلامية السعودية ضد قطر مؤخراً عندما صرح جنرال أميركي بأن بلاده قد تبحث عن مكان آخر تنقل اليه قاعدتها في قطر. يبدو ان زميلي الصحافي القطري، ووراءه أصحاب القرار في الدوحة لم يخطر ببالهم أن ليس هناك صداقات أو دعم أميركي دائم، انما الدائم هو المصالح فقط، وأينما تكون تتجه بوصلة المواقف.
تصريح الجنرال الاميركي كان مجرد مؤشر على موقف الإدارة الاميركية من الحملة الإعلامية السعودية المباغتة والواسعة ضد قطر والتي تطورت الى حصار أرضي وجوي. لم يمض سوى يومين حتى جاء تصريح وزير الخارجية الاميركي ليقول إن “على الدول الخليجية أن تحل مشاكلها داخليا”. رأيت في ذلك التصريح رائحة موقف أميركي سابق نقلته “أربيل غلاسبي” السفيرة الاميركية في بغداد عام 1990 الى صدام حسين، عندما أوحت اليه، تزامناً مع تصاعد الخلاف مع الكويت، بأن بلادها لن تتدخل في الخلاف ووسائل حلّه، في حين دُفع الجانب الكويتي لعدم الانصياع للضغوط العراقية آنذاك. النتيجة كانت سقوط صدام في الفخ الكويتي ليدخل العراق سلسلة جديدة من الدمار والتراجع التي انتهت بإسقاط نظام صدام على يد الاميركيين عام 2003.
تغريدات الرئيس الاميركي دونالد ترامب على صفحته في تويتر جاءت لتكمل الصورة ولتوضح الموقف الاميركي صراحة، ففي ثلاث تغريدات قال ترامب انه لا يمكن بعد اليوم بقاء منابع تمويل الإرهاب وان قادة السعودية والاخرين الذي حضروا مؤتمر الرياض أشاروا الى قطر كمنبع لتمويل الإرهاب. هنا جاء الضوء الأخضر الاميركي للموقف السعودي ومعه مواقف متناغمة كلٌّ لهدف، والذي قد يصل الى تدخل عسكري. هل يستحضر السعوديون مشهد الفخ الكويتي لصدام عام 1990 والذي حدد مصيره لاحقاً، أم أن نشوة الدعم الاميركي ستتناغم مع اندفاعة ولي ولي العهد محمد بن سلمان ومغامراته التدميرية للسعودية قبل غيرها.
عراقياً، تنقسم الساحة حيال التطور القطري، الى ثلاثة اتجاهات، الاول: يقول أصحابه إن قطر متورطة في الدم العراقي منذ سنوات، أبرز محطاته كان دعم ساحات الاعتصام التي قامت بالتحريض والتجييش الطائفي، بما وفّر حاضنة لداعش وقبلها باقي المجموعات المسلحة، وبالتالي لا يمكن نسيان كل ذلك والاصطفاف مع قطر بوجه الهجمة السعودية، حيث الرياض ليست أقل تورطاً في الدم العراقي، خصوصا وانها – أي الرياض- بدأت دعم تشكيل مجموعات مسلحة جديدة مهمتها مواصلة مواجهة القوات الأمنية الحكومية بما فيها قوات الحشد الشعبي بعد اخراج داعش. هذه التنظيمات ستكون خليفة داعش في المحافظات السنية وأفرادها في الغالب من عناصر داعش العراقيين الذين “خلعوا” لحاهم واندسوا بين النازحين أو ذهبوا الى إقليم كردستان أو سوريا. بالتالي فان أي دعم لقطر – حسب أصحاب هذا الاتجاه - سيكون شكراً لها على دعم داعش، وفي الوقت نفسه دعم للدور السعودي التخريبي المستمر.
في المقابل هناك اتجاه آخر يقول إن السياسة ليس فيها عداوات ولا صداقات دائمة، انما المصالح هي الدائمة وهي المعيار في تعاطينا مع الاخرين. وإذا كانت قطر تورطت بدمائنا سابقاً فانها ربما تنحو منحى آخر، وليس من المنطق الزهد بموقفها الجديد الذي يصب في مصلحتنا، أقله عدم دعم الإرهاب في العراق كسباً لدعمنا لها بوجه الهجمة السعودية، بالضبط كما تعاملنا مع الموقف السوري. الاتجاه الثالث يرى أصحابه أن مصلحة العراق تكمن في اتخاذ موقف الحياد بين السعودية وقطر على قاعدة عدم دخول العراق في لعبة المحاور الإقليمية.
لكن هذا الرأي يواجه بسؤال: هل يمكن للعراق الحياد، واساساً، هل يمكن اتخاذ موقف عراقي واحد من خلاف بين محورين متناقضين لكل منهما امتداداته في الساحة السياسية العراقية؟.
*
اضافة التعليق