عادل إمام

بغداد- العراق اليوم:

حسنا، كنت أحبه وأضحك لقفشاته رغم نمطيتها، لكنها نمطية من النوع الذي تعاود إضحاكنا في كل مرة. إنه الزعيم عادل إمام، محدث الثورة الكبرى في الكوميديا، الذي صار أول كوميديان يتفوق في أجره ونجوميته على جميع الممثلين. لعل اسماعيل ياسين سبقه في ذلك، لكن شتان بين الاثنين. مع إمام صارت الكوميديا موضوعا للتفكير وليس للإضحاك فقط. صارت بعض الأفلام وثيماتها مثيرة للأسئلة مثلما هي مثيرة للضحك. تذكروا مثلا "الإرهاب والكباب" أو "الهلفوت" أو "أحنه بتوع الأتوبيس". لا بل إن مسرحية "مدرسة المشاغبين" تنتمي لهذا النمط من الأعمال المثيرة للتأويلات، وثمة من قال أنها كانت تعبر عن غضب جيل الشبان من جيل الشيوخ بسبب هزيمة الـ 67. إنه هو، زعيم جيل من الساخرين أحدث انعطافة في مسيرة الكوميديا العربية. فبعد أن كان سابقوه مكملين للعمل ومرافقين للأبطال، يضحكونهم وينصحونهم ويتبعونهم كما هو شأن عبد السلام النابلسي وفؤاد المهندس، بات صاحبنا بطلا ونجما أولا في شباك التذاكر. له موضوعاته وقصصه، وتتراكض الجميلات خلفه كيسرا وآثار الحكيم. شخصيا، كنت قد تعرفت إليه بصورته التي أتحدث عنها بداية الثمانينيات. قبل ذلك كان وجوده عابرا ولا يختلف عن وجود أقرانه. لكنه هذه المرة جاء مختلفا الاختلاف كله. أعني مسرحيته "شاهد ماشافش حاجه" التي عرضت عام 1976 لكنها لم تعرض عندنا تلفزيونيا إلا عام 1980 كما أتذكر. والطريف أنه قبل هذه المسرحية كانت شاعت "مدرسة المشاغبين" في العراق عن طريق كاسيتات تسمع بالمسجلات. لا أدري ما السبب، لكنني أتذكر الأمر جيدا، وكنا اشترينا الكاسيتين وصرنا نسمعهما ونفطس من الضحك متخيلين صورة أولئك العفاريت، عفاريت عادل إمام وليس عدلي علام. ممثل كبير ذو موهبة مذهلة. لديه كاريزما هي ربما أهم ما يملك. بل إنها قد تكون سره الأعظم الذي حباه به الخالق.

ولكن لماذا قررت الكتابة عن هذا الممثل الذي "كنت أحبه"؟ قررت ذلك لأنني مصدوم من مآله المحزن. أعني أعماله الأخيرة التي كلما طالعتني في الفضائيات تذكرت أفلامه ومسرحياته المحفورة في الذاكرة. رجل تجاوز الثمانين، بأجر تجاوز المليوني دولار. له في ذاكرة جيلين ما يحسده عليه كل طامح لمجد. دخل التاريخ من أوسع أبوابه، ولو تقاعد الآن واستمتع بتأمل رحلته الثرة لخرج لنا بمذكرات جميلة. فلماذا هو مصر كل عام على تقديم أسخف المسلسلات بحيث يجعلنا نراجع أنفسنا في تقييمه السابق؟ ما معنى هذا التكرار الممل والاستسهال المريع في العمل؟ أي والله، أكتب وأمامي "عفاريت عدلي علام"، بينما في الذاكرة أنصت لعفاريت مدرسة المشاغبين وأنا أقول: هاي وين ذيج وين !

علق هنا