تصريح السوداني بتريليون دولار ..!

بغداد- العراق اليوم:

في تدوينة لافتة نشرها على صفحته في موقع فيسبوك، علق السياسي المعارض ورئيس حركة وعي الدكتور صلاح العرباوي على لقائه الأخير برئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، مقدما قراءة سياسية تحمل دلالات تتجاوز حدود المجاملة أو الخطاب التقليدي، وتعكس وفق مراقبين تحولا في طبيعة التعاطي الإقليمي والدولي مع حكومة بغداد.

وكتب العرباوي في تدوينته:

«تصريح حكومي ذكي (منح ترامب نوبل للسلام)... ابن سلمان قدم تريليون وابن شياع قدم تصريح العلاقة العراقية الأمريكية مهمة جداً ويجب أن نتوقف عن خوض الحروب بالنيابة عن الآخرين .. جزء من لقائي مع دولته اليوم».

هذا التوصيف الصادر من خصم سياسي وبعيداً عن فريق الموالاة أو الدوائر الداعمة للحكومة يعد مؤشراً لافتاً على طبيعة القراءة الموضوعية التي بدأت تتشكل لدى بعض أطراف المعارضة إزاء الأداء الدبلوماسي للسوداني لا سيما في كيفية إدارة ملف العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ويرى متابعون للشأن السياسي أن هذه الإشادة تحمل في جوهرها اعترافاً ضمنياً بأن رئيس الوزراء استطاع توظيف أدوات الخطاب السياسي والدبلوماسي بأسلوب ذكي مكنه من كسب ود واشنطن وفتح قنوات التفاهم معها دون تقديم التزامات مالية ضخمة أو تنازلات سياسية كبيرة على عكس ما اضطرت إليه دول أخرى من أجل حماية مصالحها في المنطقة.

وفي المقارنة التي أوردها الدكتور العرباوي بشأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والذي ارتبطت علاقاته مع واشنطن بصفقات هائلة تقدر بمليارات الدولارات، يظهر الفارق في الأسلوب والوسيلة بينما تبقى النتيجة الأساسية واحدة : جذب الدعم والرضا الأمريكي لكن بأدوات مختلفة، فبينما فسر الدعم السعودي في سياق الاستثمارات والشراء الاستراتيجي للتحالف جاءت خطوة السوداني كرسالة سياسية ذكية محمولة على تصريح إعلامي محسوب بدقة أحدث صدى واسعا في الأوساط السياسية.

ويؤكد مراقبون أن هذه الواقعة تعبر عن مرحلة جديدة يسعى فيها العراق إلى إعادة صياغة موقعه في المعادلة الإقليمية عبر الابتعاد عن سياسة المحاور والصدامات والاقتراب من منطق المصالح المتوازنة والشراكات المبنية على الحوار لا المواجهة.

كما أن دعوة العرباوي إلى عدم خوض الحروب بالنيابة عن الآخرين تعكس مزاجاً سياسياً عاماً بدأ يميل إلى تحصين القرار الوطني وتغليب المصلحة العراقية العليا على أي اعتبارات خارجية في لحظة إقليمية شديدة الحساسية والتحولات.

وفي المحصلة فإن المقارنة التي اعتبر فيها العرباوي أن تصريح شياع السوداني المجاني يعادل تريليون دولار ليست مجرد تشبيه بلاغي بل توصيف دقيق لقيمة الكلمة السياسية عندما تستخدم في توقيت صحيح وبصياغة مدروسة وضمن رؤية استراتيجية تعرف كيف تحرك الماء الراكد في العلاقات الدولية.

وهكذا يكون تصريح واحد قد أحدث ما تعجز أحيانا عن تحقيقه أرقام مالية فلكية، ليؤكد مجدداً أن السياسة ليست دائما لغة الأموال بل كثيرا ما تكون لغة العقول والرسائل الذكية.