بغداد- العراق اليوم:
رائد الزيدي
في خضم النقاشات المحتدمة داخل الإطار التنسيقي بشأن مستقبل العملية السياسية في العراق، يبرز سؤال مثير للقلق: لماذا تسعى بعض أطراف الإطار إلى اختيار رئيس وزراء بلا جذور سياسية حقيقية، وبلا قوة أو طموح أو شبكة تحالفات؟ سؤال يبدو للوهلة الأولى غريباً، لكنه يتحول إلى قضية جوهرية عند قراءة سلوك بعض القيادات وتصريحاتها الأخيرة التي كشفت بوضوح رغبة غير مسبوقة في إنتاج رئيس مجلس وزراء أقرب إلى موظف تنفيذي محدود الصلاحيات، لا قائد سياسي يمتلك رؤية ومسؤولية وصلاحية قرارات مصيرية.
تتجه بعض قوى الإطار إلى الدفع نحو رئيس وزراء لا يمتلك قوة حقيقية، ولا قاعدة اجتماعية، ولا مشروع سياسي وطني، ولا قدرة على بناء تحالفات خارج الحلقة التقليدية التي تمسك بالسلطة منذ عام 2003. هذا المسعى لا يأتي من فراغ؛ فثمة رغبة واضحة لدى تلك الأطراف في إبقاء مركز القرار ضعيفاً، ويمكن التحكم به من خارج مؤسسات الدولة الرسمية. التصريحات العلنية لبعض القادة كانت كافية لفهم الذهنية التي تحكم هذا التوجه: "نريد رئيساً لا ينافس أحداً ولا يخرج عن الطاعة".
ن هذه المشكلة تكمن برأينا في أن هذه القوى لا تدرك ــ أو ربما تتجاهل عمداً ــ خطورة تهميش الموقع التنفيذي الأهم في الدولة العراقية. فالدستور منح رئيس مجلس الوزراء دور "القائد" لا "المنفذ"، ووضع في عهده إدارة الدولة الأمنية والسياسية والاقتصادية. وإضعاف هذا المنصب لا يعني إضعاف الحكومة وشلها فحسب، إنما هو إضعاف للإطار التنسيقي نفسه، وبالتالي سيفتح الباب بيديه الكريمتين أمام قوى أخرى خارج الإطار الرسمي لملء الفراغ. فحين يغيب رئيس الوزراء القوي، تتحرك مراكز نفوذ أخرى متعددة لتحل محله، وهو ما يفتح الطريق لتشكّل "قوى داخلية عميقة" تتحكم بالقرار السياسي وتوجه مسارات الدولة بعيداً عن أطر المؤسسات الشرعية.
لذلك نحذر ونقول: إذا استمرت بعض أطراف الإطار التنسيقي بالدفع بمنطق "رئيس بلا جذور"، فلن تجد نفسها في نهاية المطاف مسيطرة على المشهد كما تتصور. فالتجارب العالمية تؤكد أن الدول التي ضعفت فيها السلطات التنفيذية، نشأت فيها شبكات مصالح وكارتلات مالية وأمنية واقتصادية تفوقت على الأحزاب نفسها. في مثل تلك الحالات، تصبح القوى السياسية مجرد واجهة شكلية، بينما تنتقل السلطة الفعلية بيد "دولة عميقة جديدة" تتحرك في الظل وتمسك بمفاتيح القرار السياسي والاقتصادي والسيادي. وعندها، ستكون القوى التي حاولت صناعة رئيس ضعيف هي أول من يقصى من المشهد.
الجواب، للأسف، لا يرتبط برؤية استراتيجية للدولة، بل بمخاوف شخصية ( عائلية، عشائرية، وفئوية) وبحسابات انتخابية مبكرة. إن بعض القيادات تتوجس من وجود رئيس وزراء يمتلك القوة والإنجاز والشعبية، خشية أن يتحول بعد أربع سنوات إلى منافس انتخابي قوي يغير ميزان القوى لغير صالحها. وتأسيساً على هذا (الخوف) والقلق الضيق، يجرى التضحية بالمنجز الحكومي، والانقلاب على المتحقق، والتفريط باستقرار الدولة، فقط لضمان عدم ظهور منافس محتمل في الاستحقاقات المقبلة.
يبقى السؤال الأهم: هل تتحمل البلاد كلفة إنتاج رئيس وزراء بلا جذور؟ في بلد يواجه تحديات اقتصادية وأمنية وسياسية واجتماعية عميقة، لا يمكن لمعركة النفوذ داخل الإطار أن تطغى على المصلحة العليا للدولة. العراق بحاجة إلى قائد يمتلك مشروعاً وطنياً، لا شخصاً يختار بمعيار الولاء لا القدرة. واستمرار بعض الأطراف في هذا النهج لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الأزمات، والعودة إلى تفعيل نفوذ القوى الخفية، وإضعاف الدولة على حساب الكارتلات ومراكز النفوذ.
إن محاولة صياغة مستقبل العراق على مقاس شخصيات قلقة من الانتخابات المقبلة هو رهان خاسر… وخسارته ستكون على حساب وطن بأكمله.
*
اضافة التعليق
تحالف عزم يؤكد حسم ملف رئاسة البرلمان بين القوى السنية
الإطار التنسيقي: الاعتداء على المنشآت الوطنية تهديد لأمن العراق واقتصاده واستقراره
النزاهة الاتحادية تتحرى أسباب التلوث البيئي في بغداد
واشنطن تدين هجوم كورمور في السليمانية وتدعو بغداد لمحاسبة المنفذين
السياسي عزت الشابندر : الإطار يؤسس لنهايته بشروطه لمرشح رئيس الوزراء
مطالبة نيابية لمعالجة أزمة الكهرباء بعيداً عن الضغوط الأمريكية