ولنا شروطنا نحن ايضا في إختيار  رئيس الوزراء يا قادة الإطار التنسيقي

بغداد- العراق اليوم:

فوجئ الشارع العراقي خلال الساعات الماضية بالورقة السياسية التي عرضتها قوى الإطار التنسيقي والتي تضمنت سلسلة من الشروط والمواصفات الخاصة باختيار رئيس مجلس الوزراء المقبل. 

هذه الورقة أثارت موجة واسعة من الاستغراب والغضب، خصوصاً بعد أن اعتبر كثيرون ان تلك الاشتراطات تمثل تجاوزا واضحاً للدستور وتقليلا متعمداً من مكانة المنصب التنفيذي الاول في البلاد، في محاولة لتحويله الى موقع ضعيف لا يمتلك ارادة ولا قدرة على اتخاذ القرار.

فحوى الورقة، بحسب مختصين في الشأن السياسي، يعكس رغبة قوى نافذة داخل الإطار في تقليص صلاحيات رئيس الوزراء الى ادنى حد، وحرمانه من اي قدرة حقيقية على ادارة الدولة او ممارسة دوره بوصفه القائد العام للقوات المسلحة. 

وبدت المطالب وكأنها تريد رئيساً منزوع الصلاحيات لا يهش ولا ينش، كما يقال في المثل الشعبي، على ان يكون مجرد موظف مفوض يدير الامور الشكلية فقط، بما يضمن عدم ظهور اي شخصية قوية قد تشكل مستقبلاً منافساً لهذه القوى او تهدد نفوذها المتراكم منذ سنوات.

ويرى مراقبون ان هذه الاشتراطات تكشف عن عقلية سياسية لا تزال متمسكة بفكرة الهيمنة المطلقة على القرار، وتسعى لتغليف مشروعها بعناوين التوافق والشراكة، فيما جوهره الحقيقي هو تأبيد النفوذ واضعاف مؤسسات الدولة وتقزيم موقع رئيس الحكومة. فبدلاً من البحث عن قيادة قوية قادرة على مواجهة الظروف الاقتصادية والامنية والسياسية الصعبة، تسعى بعض القوى الى انتاج رئيس وزراء بمواصفات محدودة، كي تبقى مفاتيح القرار بيدها وحدها.

من اطلع على تفاصيل تلك الورقة شعر بالدهشة والحزن والغضب معاً. فالمواصفات المطروحة لا تتناسب مع حجم التحديات في العراق، ولا مع مطالب الشارع الذي يريد حكومة قوية قادرة على ضبط الامن وتحسين الوضع المعيشي واعادة هيكلة الاقتصاد ومحاربة الفساد. 

بل بدت المقترحات وكأنها محاولة لتقييد الدولة لا اطلاقها، وتكبيل الرئيس المقبل لا تمكينه.

وبحسب خبراء قانونيين، فإن فرض اشتراطات بهذه الصورة هو ضرب للدستور في جوهره، وانقلاب على مخرجات الانتخابات التي جاءت بارادة ملايين الناخبين.

 فكيف يمكن لقوى ذات تمثيل محدود في البرلمان ان تفرض رؤيتها على الجميع وتتحكم بمن يتولى السلطة التنفيذية، بينما لم يمنحها الشعب تفويضا واسعاً في الاساس، خاصة ان بعض هذه القوى فقدت جزءًا كبيراً من شعبيتها في السنوات الاخيرة، ومع ذلك تريد ان تكون اللاعب الاكثر تأثيراً في تحديد مصير الحكومة المقبلة.

ويشير محللون الى ان الرأي العام العراقي قد ينتقل من مرحلة الغضب الصامت الى الاحتجاج العلني اذا ما شعر بأن ارادته الانتخابية يتم تجاوزها مرة اخرى. فالمزاج الشعبي اليوم اكثر حساسية تجاه اي محاولة لفرض مرشح مفروض او رئيس حكومة ضعيف، خصوصاً بعد التجارب السابقة التي دفع فيها المواطن العراقي ثمنا باهظاً من امنه ومعيشته مقابل صفقات سياسية مغلقة.

وفي مقابل اشتراطات الإطار، بدأ صوت الشارع يرتفع قائلاً ان لنا نحن أيضاً شروطنا في رئيس الوزراء. فالمواطن يريد شخصية قوية، كفوءة، مستقلة، قادرة على اتخاذ القرار، وتملك رؤية واضحة لبناء دولة المؤسسات، لا رئيساً يستمد قوته من رضى زعماء الكتل بل من رضى الشعب ونجاحه في الميدان.

ويذهب مراقبون الى القول ان العراق يقف اليوم على مفترق طرق حقيقي. فاما المضي نحو اختيار رئيس وزراء يمتلك صلاحياته الكاملة ويستطيع ادارة المرحلة المقبلة، واما العودة الى دائرة الأزمات من جديد عبر فرض رئيس ضعيف لا يملك سوى تنفيذ رغبات القوى السياسية القوية.

وفي كل الاحوال، يؤكد ناشطون ومواطنون ان الشعب الذي قال كلمته في الانتخابات لن يقف صامتاً اذا شعر ان صوته تتم مصادرته مرة اخرى، وان اللحظة الحالية قد تكون مفصلية في تحديد مستقبل المسار الديمقراطي في البلاد. 

فالإطار التنسيقي يقدم ورقته بشروطه، لكن الشارع يقدم ورقته ايضا، والكلمة الفصل ستبقى لإرادة الناس حين يحين وقت الاختبار.