هل مست إصلاحات السوداني معيشة المواطن العراقي؟ الجواب: كلا

بغداد- العراق اليوم:

في ظل الجدل المتصاعد حول الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، يبرز تساؤل واسع في الشارع العراقي عما إذا كانت هذه الإصلاحات قد مست فعلاً معيشة المواطن أو انعكست سلباً على حياته اليومية. 

غير أن القراءة المتأنية لمسار تلك الإجراءات تكشف أن ما يجري لا يخرج عن كونه معالجة ضرورية لواقع اقتصادي معقد، ورثته الحكومة الحالية بعد سنوات طويلة من التراكمات المالية والإدارية.

الإصلاحات الاقتصادية، في جوهرها، ليست ترفاً سياسياً ولا خياراً يمكن تأجيله، بل تمثل ضرورة حتمية لأي دولة تسعى إلى تحقيق الاستقرار المالي وضمان ديمومة التنمية.

 والعراق، بوضعه الاقتصادي الخاص، أحوج ما يكون إلى إصلاحات تدريجية توازن بين الإيرادات والنفقات، وتمنع الانزلاق نحو أزمات مستقبلية قد تكون أكثر كلفة على المواطن والدولة معاً. ومن هذا المنطلق، جاءت خطوات حكومة السوداني في إطار المعالجة الوقائية لا المعالجة القسرية، وبهدف حماية الاقتصاد لا تحميل المواطن أعباء إضافية.

لقد تسلمت الحكومة الحالية إرثاً ثقيلاً يتمثل بتضخم كبير في الجهاز الوظيفي، وتوسع غير مسبوق في حجم الإنفاق العام، إضافة إلى التزامات مالية شهرية تصل إلى قرابة عشرة ملايين راتب تشمل الموظفين والمتقاعدين والمشمولين بالرعاية الاجتماعية.

 كما تتحمل الدولة أعباء دعم واسعة النطاق تشمل معظم مفاصل الحياة اليومية، من ماء وكهرباء وصحة وتعليم ونقل ووقود، فضلاً عن استمرار العمل بنظام البطاقة التموينية التي تغطي أكثر من ثلاثة وأربعين مليون مواطن، في سابقة تكاد تكون فريدة على مستوى العالم.

ويُضاف إلى ذلك أن العراق يعتمد بشكل شبه كلي على الإيرادات النفطية، ما يجعله عرضة للتقلبات العالمية في الأسعار. 

ومع انخفاض العوائد النفطية في فترات معينة، بات من الضروري إجراء مراجعات اقتصادية تضمن استمرار الدولة في الوفاء بالتزاماتها دون الدخول في دوامة العجز أو الديون أو المساس برواتب المواطنين وخدماتهم الأساسية.

وعلى خلاف ما يُشاع، فإن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لم تمس معيشة المواطن بشكل مباشر، إذ لم تُخفض الرواتب، ولم تُمس حقوق المتقاعدين، ولم تُلغ الرعاية الاجتماعية، كما لم يُرفع الدعم عن الوقود أو البطاقة التموينية، ولم تُفرض أعباء جديدة تثقل كاهل ذوي الدخل المحدود.

 بل إن الحكومة أكدت مراراً أن أي إصلاحات تُتخذ ستكون منضبطة ومؤقتة، وتهدف حصراً إلى ضمان الاستقرار المالي واستمرار تقديم الخدمات.

إن ما يجري اليوم يمكن وصفه بإصلاحات ضرورية لإدامة الدولة، لا إجراءات تقشفية تستهدف المواطن. وهي تأتي في إطار إدارة واعية للموارد، تسعى إلى حماية الاقتصاد الوطني من الأزمات، وضمان استمرار الدولة في أداء دورها الخدمي، وتفادي سيناريوهات مالية شهدتها دول أخرى اضطرت فيها الحكومات إلى اتخاذ قرارات قاسية بسبب غياب المعالجات المبكرة.

وعليه، فإن القول بأن إصلاحات حكومة السوداني مست معيشة المواطن لا يستند إلى واقع دقيق، بل يتجاهل حقيقة أن هذه الإصلاحات جاءت لضمان استقرار حياة المواطن لا العكس، وللحفاظ على مستوى الدعم والخدمات في ظل ظروف اقتصادية إقليمية ودولية معقدة. 

فالإصلاح اليوم ليس عبئاً، بل هو الضمان الحقيقي لمستقبل أكثر استقراراً وأمناً اقتصادياً للعراقيين.