فاز الرئيس روحاني بالانتخابات في اطار سلسلة من المؤشرات الايجابية التي تبين مدى حيوية الشعب وفعالية النظام الذي مهما كانت الصعوبات والنواقص لكن الجانب الايجابي يبقى اقوى بكثير من الجوانب السلبية الحقيقية، او التي يفبركها خصوم الجمهورية. فتجاوزت نسبة المشاركة 70%، وهذا انتصار للنظام كما اكد المرشد الاعلى السيد الخامنئي.. علماً ان النسبة محسوبة على اساس مجموع الايرانيين بسن التصويت، وليس المسجلين فقط، كما هو الحال في فرنسا مثلاً وغيرها. اضافة، ان المعارضة دعت للمقاطعة، مما يبين الشعبية العالية جداً للنظام، والتي لا تتمتع بها الكثير من النظم، رغم الضغوطات والصعوبات التي تمر بها الجمهورية الاسلامية. فاز الرئيس روحاني بنسبة عالية جداً محققاً نسبة 57% من الاصوات. وهي اعلى من 51% التي حققها في 2013. فاز الاصلاحيون وخسر المحافظون في الانتخابات.. لكنهم جميعاً فازوا بتجربة ناجحة للتنافس السياسي لتمثيل ارادة الشعب، وطرح المناهج المختلفة سواء في السياستين الداخلية والخارجية والشؤون الاقتصادية والنووية والبيئية والبطالة والمستقبل ومفاهيم الثورة والمجتمع والسلام والامن والتطور. وان فوز "الاصلاحيين" اليوم واحترام قواعد التنافس، هو ما قد يسمح غداً بفوز "المحافظين" في تداول سلمي تحسمه الملايين بعيداً عن اساليب الانقلابات والوسائل العنفية التي تغديها مفاهيم تجاوزها الزمن، او تغديها دوائر لا تريد لبلداننا الاستقرار والسلام. فالشيخ روحاني لا يمثل حزب "الاعتدال والتنمية" فقط، كما لا يمثل السيد "رئيسي" جمعية "العلماء المجاهدين" فحسب، بل يقف وراء الاول 21 حزباً وتشكيلاً مختلفاً، ويقف وراء الثاني 10 احزاب وتشكيلات متنوعة.. مما يعبر بمجمله عن حياة سياسية ناضجة ومتعددة ومتنوعة خلافاً للصور الاحادية او النمطية الجافة والموحشة التي يريد البعض فرضها على المشهد الايراني. هذه الحيوية برزت في قسوة النقاشات التي سبقت الانتخابات، والتي تجاوزت في جرأتها وحريتها ومهاتراتها، في احيان عديدة، حتى اللياقات المقبولة. لتتوقف كلها، او معظمها، حال اعلان النتائج، والاقرار العام بها. ليصرح الرئيس الايراني في خطاب الفوز انه رئيساً لكل الامة، قائلاً انه بحاجة الى "المساعدة من كل ايراني، حتى اولئك الذين يعارضونني وسياساتي". فالمنهج التوحيدي وقبول الخلاف والصراع داخل الوحدة هو الصحيح، وعكسه خطأ كبير، نرتكبه فيما بيننا في البلد الواحد، او بيننا كبلدان. لا نقول ان كل ما موجود في ايران حالة مثالية. ما نقوله ان النظام السياسي الايراني ناضج ويتطور باستمرار ومتقدم على الكثير من الانظمة التي تنتقده.. ما نقوله ان ايران بلد اقليمي محوري ورئيسي في المنطقة ويجب تعزيز التعاون والعمل المشترك معها لا السعي لعزلها ومحاربتها بطرح خلافات جدية او وهمية، كما فعل صدام، ليجر البلدين الى حرب دمرت البلدين، دفعنا وما زلنا ندفع ثمنها.. ليعود بعد عقد للكتابة للزعامة الايرانية، مذكراً بالمشتركات ومتناسياً الخلافات ومطالباً بالتعاون والتنسيق، ومستخدماً الارض الايرانية للجوء الطائرات العراقية، بعد اجتياح الكويت، ودخوله في حرب مع من دعمه وسانده لفترات طويلة. اي ان حرباً ضروساً كان يمكن تفاديها لو بدأنا بالمشتركات والامور التوحيدية لمواجهة الخلافات وتهدئة الامور التصادمية. ونعتقد ان هذه حالة تحتاج منا جميعاً مراجعة مناهج العمل، لتقليل خسائر الجميع، وتعظيم ربح الجميع. وهذه تجربة يجب الاتعاظ بها خصوصاً حالياً حيث يجتمع زعماء العديد من الدول الاسلامية في الرياض مع الرئيس "ترامب". فحذارى ان نسقط اسرى الخلافات، ونبني سياساتنا على القناعات الاعلامية والجدلية التي ستتضمن بالضرورة الكثير من المبالغات والاوهام، وننسى ان نحيط ذلك كله بالمشتركات والامور التوحيدية، التي بها، وبها فقط، يمكن حل الخلافات مهما عظمت. فقمم الرياض ان خرجت برؤية توحيدية لمحاربة "داعش" فانها ستحقق انجازاً كبيراً ينفع الجميع.. اما اذا خلطت ذلك بالتصعيد مع ايران او اية جهة اخرى غير الارهاب الذي يقطع الرؤوس ويدعس ويحرق الناس او يدفنهم احياء، ويهدم المساجد والحسينيات والكنائس ودور العبادة ويأسر النساء ويبيعهن إماء، فاننا سنكرر الاخطاء التاريخية وندخل منطقتنا في صراع سيدفع الجميع ثمنه.
*
اضافة التعليق