رحلة هروب صامتة .. القمر يبتعد عن الأرض!

بغداد- العراق اليوم:

في ظاهرة فلكية مذهلة، يبتعد القمر عن الأرض تدريجيا بمعدل 3.8 سنتيمترات سنويا، وهي حقيقة علمية مؤكدة يتم قياسها بدقة عالية عبر تقنية الليزر المتطورة.

فمن خلال ارتداد أشعة الليزر عن المرايا التي تركها رواد الفضاء على سطح القمر، يستطيع العلماء حساب المسافة الفاصلة بين الجرمين بدرجة غير مسبوقة من الدقة.

ووراء هذه الحركة البطيئة والثابتة قصة علمية رائعة تعود إلى ظاهرة المد والجزر. فجاذبية القمر لا تؤثر بشكل متساو على جميع أجزاء الكرة الأرضية، بل تختلف قوتها من جانب إلى آخر. ويؤدي هذا التفاوت إلى تشكل انتفاخين مائيين (Tidal Bulge) في المحيطات، أحدهما من جانب اﻷرض المتجه نحو القمر بينما الآخر في الاتجاه المعاكس (الجانب اﻷرضي البعيد عن القمر).

وعندما تدور الأرض حول محورها، تسبق هذه التموجات المائية موقع القمر قليلا بسبب حركة الكوكب السريعة نسبيا. وهذا التقدم البسيط يخلق قوة جذب خفيفة تشد القمر إلى الأمام في مداره، ما يزيد من سرعته ويوسع مداره تدريجيا.

وتشبه هذه العملية لاعب البيسبول الذي يضرب الكرة بقوة أكبر فترتفع أعلى في السماء.

ولهذه الحركة المستمرة تبعات مهمة على كوكبنا. فمع زيادة زخم حركة القمر، يتباطأ دوران الأرض تعويضا عن هذه الزيادة، ما يؤدي إلى إطالة اليوم بمقدار ضئيل جدا. وتشير الأدلة العلمية المستمدة من دراسة الحفريات أن اليوم كان يستغرق 23.5 ساعة فقط قبل 70 مليون سنة، أي في عصر الديناصورات.

وإذا عدنا بالزمن إلى الوراء 4.5 مليار سنة، لوجدنا القمر أقرب بكثير إلى الأرض، حيث تشكل النظام الثنائي بعد اصطدام الأرض بجرم سماوي ضخم. وكان القمر يظهر أكبر حجما في سماء الأرض البدائية. أما في المستقبل البعيد، فقد يؤدي استمرار هذا الاتجاه إلى تباطؤ دوران الأرض حتى يتزامن مع دورة القمر، لكن توسع الشمس المستقبلي سيمنع اكتمال هذه العملية.

ورغم ضخامة هذه التغيرات الكونية، إلا أنها بطيئة جدا ولا تؤثر على حياتنا اليومية. فسيظل طول اليوم 24 ساعة، وسيستمتع سكان اﻷرض بظواهر المد والجزر والكسوف لملايين السنين القادمة. وهذه العمليات الفلكية البطيئة تذكرنا بعظمة الكون ودقة قوانينه، وتكشف عن قصة متواصلة من التفاعل بين الأرض وقمرها الذي يبتعد عنا ببطء، لكنه يظل شاهدا على عجائب الكون التي لا تتوقف.