انعل أبو التسقيط لابو الجابه ..!

بغداد- العراق اليوم:

افتتاحية جريدة الحقيقة

فالح حسون الدراجي

يمر العراق بمنعطف سياسي وأخلاقي خطير لم يمر بمثل جحيمه في أغلب العقود والأنظمة الماضية.

وإذا ألقينا الآن نظرة على المشهد السياسي العراقي،  وأدواته الإعلامية المتنوعة، سنكتشف بوضوح مستوى التردي الذي وصل اليه الحال السياسي في العراق، بحيث يمكن لأي متابع اليوم أن يشم رائحة الخلافات والاختلافات والصراعات السياسية عبر العناوين الرئيسية فحسب، دون الحاجة الى الدخول في سراديبها السرية التي تزكم الأنوف. ولا أعتقد أن عراقياً واحداً لم ينفر أو يشمئز، بل ويذعر من وضاعة المعروض في وسائل التواصل الإجتماعي، وبشاعة ما تحمله النفوس السياسية المريضة وتقذفه الألسن ( الوكيلة ) من عبارات نابية وفاحشة، وكلمات بذيئة، واتهامات وصور وأفلام وفيديوهات وتسريبات تسقيطية يندى لها الجبين.

لقد وصلت لغة ( الحوار ) والخطاب السياسي بين أغلب الفرقاء في ميدان التنافس الانتخابي الى مستوى ضحل، حتى صار البعض منا يكفر بالسياسة والسياسيين ! 

من يصدق يوماً أن التسقيط الانتخابي سيصل الى فتح السجلات العائلية للمنافسين، ونبش قبور موتاهم دون احترام أو اعتبار لحرمة الميت، حتى أن بعضهم تجاوز الخطوط الحمر، وراح يخوض في محرمات الشرف والقيم  والأعراض والنواميس !

ومن يصدق أيضاً أن شرار بعض السياسيين سيصل يوماً الى حد النيل من قدسية الشهادة وذمم ( الشهداء )!

نعم، لقد وصل الأذى لهذا الحد، بل ولأبعد من ذلك، بحيث أجد اليوم أمامي عشرات الموضوعات التي يتعرض فيها الكثير من السياسيين والمرشحين الى حملات التسقيط الشنيع، ومن بين هؤلاء السياسيين، رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي لم يصبه أذى التشهير والتسقيط شخصياً فحسب، إنما أصاب والده (الشهيد) أيضاً، فنالته حراب الطعن السياسي بقسوة، رغم أن جسد أبيه لم يزل مدمىً بحراب الطعن الصدامي !! 

أنا لا أتحدث هنا عن محمد شياع السوداني كرئيس وزراء، إنما أتحدث عنه كضحية من ضحايا السباق الانتخابي الفظيع والشنيع.

تصوروا، لقد أرسل لي أحد الأصدقاء أمس صورة  للسوداني، وكتب تحتها: شوف ( الرفيق البعثي) محمد شياع السوداني!!

وحين تفحصتها، لم أجد في الصورة سوى موظف في دائرة حكومية يمارس وظيفته، وقد توسطت أحد جدرانها صورة لرئيس الجمهورية آنذاك ( صدام حسين) !!

فاتصلت بصديقي وقلت له: أين دلالات وعلامات ( بعثية ) السوداني في هذه الصورة .. ؟!

فقال: ألم ترَ صورة صدام حسين معلقة على الجدار في الغرفة التي يجلس فيها محمد شياع السوداني ؟

فضحكت وأغلقت الهاتف !

ولعل المصيبة الأخرى أن ثلاثة أصدقاء ارسلوا لي أمس خبراً ( خطيراً ) مفاده أن أحد الأشخاص شاهد نجل رئيس الوزراء في دبي بصحبة أحد المسؤولين العراقيين ..!

واو .. إنها جريمة كبرى.. ألا يعلم ابن السوداني أن زيارة دبي إثم يستحق العقاب ؟!

ومما زاد الأمر سخرية أن (الولد) لم يرتكب (جريمة) زيارة دبي، وأن الخبر كاذب والصورة مفبركة تماماً !

وللحق، فإن السوداني لم يستهدف لوحده في سوق التسقيط الانتخابي المفزع، إنما تعرض أيضاً الكثير من المرشحين للتسقيط، بما في ذلك منافسو السوداني أنفسهم، ولكن بدرجات ربما أقل وضاعة وبشاعة وانحطاطا وتجاوزاً ..!

وأمامي قائمة من هؤلاء المرشحين والسياسيين المستهدفين بقسوة بعضهم من الشيعة أو السنة الإسلاميين، وبعضهم من الشيوعيين والمدنيين، وبعضهم من المرشحين غير المعروفين في الميدان حتى !!

وسأقوم لاحقاً بالكتابة عن الأسماء المستهدفة في هذه القائمة واحداً واحدا .

لقد استخدم المتنافسون أسوأ نسخ الماضي من حياة خصومهم السياسية أو الاجتماعية، وإذا تعذر وجود مثل هذه النسخ، فالأيادي الخبيرة فنياً متوافرة، وبرنامج الفوتوشوب موجود، ونظام الذكاء الاصطناعي قادر على بلورة ( ماضٍ) مناسب وعلى المقاس المطلوب !! 

وليس سراً أكشفه حين أقول إن مساوئ التنافس السياسي في حلبة هذه المرحلة وتحديداً في هذه الدورة الانتخابية فاقت كل مساوئ المراحل السابقة، بل إن كلمة مساوئ لا تفي بالتوصيف لما يحصل من فظاعات وبشاعات وتدنٍ اخلاقي وسياسي مريع ..

إذ لم نجد في كل سنوات العهود السابقة سوقاً تروّج للتسقيط والتشهير مثل السوق الانتخابية الحالية، فلا نوري السعيد رغم كل سيئاته، ولا رشيد عالي الگيلاني، ولا صالح جبر او كامل الجادرچي، أو غيرهم من قادة العهد الملكي فعلها مع خصومه، أما الزعيم عبد الكريم قاسم وأصحابه، وقادة الحزب الشيوعي العراقي، وزعماء الحركة الوطنية فهم أسمى وارفع من الهبوط هذا المستوى التنافسي الوضيع والمتدني ..!

وما دمنا نتحدث هنا عن القادة والانظمة السابقة، يجدر بنا أن نذكر للتاريخ أن نظام صدام حسين أول من أسس وروّج لهذه البضاعة الفاسدة في العراق حين راح يسجل، ويصور الافلام المخلّة لعوائل خصومه ومعارضيه السياسيين، وتهديدهم وابتزازهم مقابل عدم نشر هذه الافلام والصور المحرجة..!

وللحق أيضاً فإن نظام صدام هو الذي ( جاب) هذه ( الثقافة ) واستوردها من التاريخ الوسخ لجهاز مخابرات جمال عبد الناصر في ستينيات القرن الماضي

حيث نال صلاح نصر رئيس الجهاز براءة الاختراع لهذه القذارة الأخلاقية..!

ختاماً، أتوجه بالدعوة لكل السياسيين العراقيين ولكل المرشحين المتنافسين، الى احترام المنافس، ونبذ الطرق التسقيطية المعيبة، وإبعاد العوائل والشرف والاعراض من حراب هذه الفعاليات المبتذلة .. لاسيما وأن هذه الاساليب والفبركات باتت مكشوفة أمام الجماهير، بل ولم تعد تثق بها أو تحترمها قطعاً .. وإلا فإن القادم سيكون مدمراً للعراق ولأبنائه ولمستقبل أجياله لا سمح الله ..

علق هنا