نقلاً عن جريدة الحقيقة: السوداني... أول رئيس وزراء عراقي بعد 2003 ينقل تصور المواطن من مكان إلى آخر

بغداد- العراق اليوم:

منذ عام 2003، تعاقبت على العراق حكومات مختلفة، لكل منها برامجها وشعاراتها وطموحاتها، غير أن أياً منها لم يتمكن من إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة، أو إعادة صياغة تصور المجتمع العراقي لمفهوم "النشاط الحكومي".

لكن مع تولي محمد شياع السوداني رئاسة الوزراء، شهد العراق تحوّلًا نوعياً في هذه العلاقة، تجسدت في فلسفة حكم جديدة تجعل الحكومة خياراً مجتمعيا قبل أن تكون مجرد تمثيل سياسي لقوى مؤتلفة.

فالسوداني، الذي دخل إلى رئاسة الوزراء من بوابة التوافق السياسي، خرج سريعاً من أسر "الترضية الحزبية" إلى فضاء القرار الوطني، محققاً ما يشبه الإجماع الشعبي على أداء حكومته، ومكرساً نفسه كأول رئيس وزراء بعد 2003 ينجح في نقل "تصور المواطن" عن الحكومة من حالة الشك والخذلان إلى الثقة والانتظار الإيجابي.

منذ اليوم الأول لحكومته، بدا واضحاً أن الرجل لديه مشروعاً يتجاوز الوعود التقليدية، فهو لا يريد مجرد تقديم خدمات هنا أو هناك، بل يسعى لإعادة تعريف النشاط الحكومي وفقاً لرغبات المجتمع واحتياجاته، لا وفق مزاج الطبقة السياسية. 

لقد جعل من شعار "الحكومة راعية للمواطن قبل أن تكون راعية للسياسي" مبدأً تنفيذياً لا خطابا إعلاميا.

فمن البناء والإعمار، إلى التوظيف وتوفير فرص العمل، إلى إطلاق مشاريع استثمارية ضخمة، حيث استطاع السوداني أن يبني نموذجاً جديداً للحكم. 

على الصعيد الاقتصادي، تشير بيانات الحكومة إلى أن العراق استقطب خلال العامين الماضيين ما يقارب 63 مليار دولار في مجال الاستثمار الخاص، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ العراق الحديث، ويمثل مؤشرات على عودة الثقة الدولية بالبيئة الاستثمارية العراقية.

إلى جانب ذلك، شهد العراق نهضة عمرانية جديدة تمثلت بإطلاق مشاريع كبرى للبنى التحتية، من الجسور إلى الطرق، إلى المجمعات السكنية الحديثة، ومشاريع الطاقة المتجددة، ما فتح آلاف فرص العمل أمام الشباب العاطلين، وبدأ يعيد رسم المشهد الحضري العراقي الذي ظل جامدًا لعقود.

بعكس ما كان سائداً في الحكومات السابقة من تغليب السياسي على الإداري، وتقديم مصالح القوى السياسية على حساب المصلحة العامة، جاء السوداني بمقاربة مغايرة تماما، حيث جعل السياسة في خدمة الاقتصاد، والإدارة في خدمة الناس. 

فهو لم يكن خاضعاً لضغوطات الترضيات أو المحاصصات، بل كان يفرض رؤيته الإصلاحية على الجميع انطلاقًا من قناعته بأن بقاء الحكومة مرهون برضى المجتمع لا الأحزاب.

وفي الوقت الذي كانت فيه الحكومات السابقة تتعثر في مواجهة الأزمات، من خدمات إلى كهرباء إلى أزمات نقدية، كان السوداني يبادر إلى المعالجة المباشرة، ويقود بنفسه فرقا ميدانية لمتابعة تنفيذ المشاريع، ويفرض معايير رقابية صارمة على أداء الوزارات، ويراهن على الكفاءات الشابة التي أتيحت لها لأول مرة فرصة أن تكون في قلب القرار.

واحدة من أبرز ملامح تجربة السوداني هي الانفتاح الاقتصادي المدروس، الذي أعاد العراق إلى واجهة اهتمام الشركات العالمية، بعدما ظل لعقود أسير صورة نمطية عن بلد غير مستقر وفاقد للشفافية.

فقد نظمت الحكومة مؤتمرات كبرى للاستثمار، وعقدت شراكات مع دول وشركات متعددة، وفتحت أبواب الاقتصاد العراقي أمام تدفقات مالية وتقنية عززت من فرص التنمية المستدامة.

هذا الانفتاح لم يكن عشوائيا، بل خضع لتخطيط محكم يضمن سيادة القرار الوطني ويحمي المصلحة العامة، ويضع معايير دقيقة لتقييم الجدوى من أي مشروع. 

وهنا تبرز ميزة أخرى لرئاسة السوداني، وهي الشفافية والإفصاح عن المعلومات، والتي شكلت عنصرا حاسما في تحسين بيئة الاستثمار ومكافحة الفساد الإداري رغم قوة عناصر بيئة الفساد  .

في ظل ما تحقق خلال فترة وجيزة، يصعب إنكار أن تجربة محمد شياع السوداني هي واحدة من أهم التجارب الحكومية في العراق بعد 2003.. فهي ليست فقط تجربة ناجحة في الإدارة، بل في بناء دولة جديدة، تحترم عقل المواطن، وتستمع لصوته، وتعمل على تحقيق تطلعاته دون مماطلة أو تسويف.

علق هنا