بغداد- العراق اليوم: بعد عقود من الإبداع الموسيقي الذي أثرى به الساحة الفنية العراقية والعربية، عاد الملحن والمطرب العراقي الكبير فاروق هلال إلى الأضواء، مستعيدًا نشاطه الفني في أمسية مميزة نظمتها مؤسسة «إيشان» لدراسات الثقافات الشعبية. شهدت الأمسية حضوراً لافتاً من الفنانين والنقاد والإعلاميين والأكاديميين، الذين تجمعوا للاحتفاء بمسيرة هذا الفنان الذي ساهم في صناعة الجمال ونشر المحبة والسلام عبر ألحانه الشجية وتعاونه المثمر مع كبار المطربين وشعراء الأغنية العراقية والعربية.
تصحيح تاريخ الميلاد
في بداية الجلسة، التي أدارها المطرب العراقي د. كريم الرسام، رئيس جمعية الموسيقيين العراقيين، قدم سيرة موجزة عن الضيف، حيث قام هلال بتصحيح تاريخ ميلاده الشائع، موضحاً أنه ولد في الرابع من أبريل/نيسان عام 1937 في قلب العاصمة بغداد، وليس عام 1935 كما كان يُعتقد سابقاً.
تحدث هلال عن مسيرته الفنية التي بدأت منذ عام 1950، مشيراً إلى أنه تخرج من معهد الفنون الجميلة عام 1957، وبعد عامين من تخرجه، تقدم لاختبار الإذاعة والتلفزيون وسجل أولى أغانيه في برنامج "ركن الهواة" بأغنية بعنوان "عالبال"، التي حققت نجاحاً طيباً.
إسهاماته في اكتشاف المواهب
تطرق هلال إلى دوره الكبير في اكتشاف جيل رائع من المطربين، من خلال برنامج «أصوات شابة» الذي كان يقدمه من التلفزيون العراقي في منتصف ثمانينات القرن الماضي. من بين هؤلاء المطربين كاظم الساهر، الذي يُعتبر اليوم من أبرز نجوم الغناء العربي. كما تحدث عن بعض ألحانه وأغانيه التي غناها بصوته أو منحها لمطربين آخرين، مثل مائدة نزهت، ياس خضر، صلاح عبد الغفور، والفنان الكويتي عبد الله الرويشد، الذي قدم له هلال أغنية "علمني عليك" التي حققت انتشاراً واسعاً.
"تعاليلي" وتفاعل الحضور
في لحظة مميزة من الأمسية، قدم فاروق هلال رائعته الشهيرة «تعاليلي» بالاشتراك مع الملحن والمطرب والعازف الشاب كرم ثامر. تفاعل الحضور مع أدائهما الجميل لتلك الأغنية التي تُعد من روائع الغناء العراقي في القرن الماضي، مما أضفى جواً من الحنين والدفء على الأمسية.
مداخلات وإشادات
شهدت الجلسة، التي استمرت لأكثر من ثلاث ساعات، مداخلات من شخصيات فنية ونقدية بارزة، مثل الملحن عبد الرزاق العزاوي، والمسرحي د. عقيل مهدي، والناقد الموسيقي حيدر شاكر، والمطرب محمد الشامي، والملحن والمطرب قاسم ماجد، وآخرين.
أشادوا جميعاً بمسيرة هلال وإسهاماته الكبيرة في تطوير الأغنية العراقية واكتشاف المواهب الشابة.
تكريم مستحق
في ختام الجلسة، قدم د. علي حداد لوح مؤسسة «إيشان» لدراسات الثقافات الشعبية إلى المحتفى به، المطرب والملحن فاروق هلال، وسط تصفيق الحاضرين، تقديراً لمسيرته الفنية الحافلة وإسهاماته القيمة في إثراء المشهد الموسيقي العراقي والعربي.
مسيرة حافلة يُعد فاروق هلال من أواخر أسماء الجيل الذهبي الذي أضاء سماء الأغنية العراقية بالذهب، إلى جانب الراحلين طالب القره غولي، كوكب حمزة، ومحسن فرحان، وغيرهم من الأسماء الفاخرة.
ترك هلال الغناء وتفرغ للتلحين، وقدم أكثر من 50 أغنية عاطفية، من أشهرها أغنية «يا صياد السمج». في عام 1975، أصبح رئيساً لجمعية الموسيقيين العراقيين، وقدم خلال فترة الثمانينات برنامج «أصوات شابة»، الذي تخرج منه عدة مطربين عراقيين، ولُقب بصانع النجوم. في عام 1993، أصبح نقيباً للفنانين، وعاد بعدها للغناء وقدم أغنية للمنتخب الوطني العراقي، واشتهر فيما بعد بأغانيه الوطنية والرياضية.
استمرار العطاء رغم التحديات
على الرغم من التحديات التي واجهها، بما في ذلك شعوره بالوحدة في سنواته الأخيرة، إلا أن فاروق هلال استمر في تقديم إسهاماته الفنية.
في عام 2024، كتب نصاً غنائياً جديداً يعكس عبقريته المستمرة، وتولى بنفسه تلحين الأغنية التي أداها بإتقان الفنان العراقي المعروف إسماعيل فاضل.
هذا العمل الفني الجديد يشكل إضافة ثمينة للمكتبة الغنائية العربية، وربما يمتد تأثيره إلى الساحة العالمية، حيث يلامس بجماليته الفنية والنصية القيم الأصيلة والمعاصرة في آن واحد. تُعد عودة فاروق هلال إلى الساحة الفنية مناسبة للاحتفاء بفنان قدم الكثير للأغنية العراقية والعربية، وساهم في اكتشاف ودعم العديد من المواهب التي أصبحت اليوم نجوماً في سماء الفن. إن مسيرته الحافلة بالعطاء والإبداع تظل مصدر إلهام للأجيال القادمة، ودليلاً على أن الفن الحقيقي لا يعرف حدوداً زمنية أو مكانية.
*
اضافة التعليق