بغداد- العراق اليوم:
ظهرت في الآونة الأخيرة قنوات تلفزيونية خاصة بأغاني وأناشيد الأطفال، غزت العالم العربي ككل بل فاقت مشاهدتها قنوات الرسوم المتحركة، وأصبحت الملاذ لربات البيوت لإلهاء الطفل لأطول وقت ممكن، نظراً لطبيعة هذه القنوات التي تعتمد على الايقاعات والرسوم والألوان، الشيء الذي يثير الطفل ويجعله يركز فيها لساعات وساعات.
هذا ما دعى بعض الباحثين لدراسة مدى تأثير هذه القنوات على البناء المعرفي للطفل، وكذلك على نفسيته من خلال دراسة السلوك، فمن المعروف في علم نفس النمو أن فترة النمو المعرفي وتكوين شخصية الطفل تكمن في الخمس سنوات الأولى، التي تعتبر أهم مرحلة في نمو الطفل وتحديد شخصيته في المستقبل، وهي الفترة المثالية لتلقين الطفل المعلومات الأساسية والسلوكيات والآداب العامة، وغيرها أي إكسابه صفات الإنسانية وهو ما يسمى بالتنشئة الاجتماعية.
وتقول خبيرة الطب النفسي واختصاصية التنشئة الأسرية الفرنسية، روى مولينا، لصحيفة “الباييس” الاسبانية، الملاحظ أن أغلبية الأطفال الذين يتابعون “قنوات الأناشيد” تبدأ أعمارهم من الرضاعة فما فوق، والخطورة تكمن في تعريض الطفل لساعات طويلة لقنوات يسمع منها إيقاعات ويرى رسومات لا يفهم منها شيئا، لأنه في سنه هذا يحتاج لاكتشاف محيطه من أشياء وسلوكيات من خلال استعمال حواسه، كالسمع، والبصر، واللمس، هذه الفترة تسمى بالمرحلة “الحسية الحركية”، لأن اتصاله بالبيئة الخارجية بطريقة مباشرة يسمح لعقله بتخزين أشكال الأجسام والأشياء وملامح الناس، وكذلك استماعه لكلام بدون إيقاع وبوضوح بشكل مستمر يسمح لمخه بتخزين هذه المعلومات، ومع تقدم سنه يبدأ بربط الأشياء بالمسميات ويتمكن من تكوين رصيد معرفي.
وتابعت مولينا قائلة، بدل تجميد عقل الرضيع لمدة طويلة وإلهائه بإيقاعات يجب إعطاؤه وقتاً لتحسس العالم الخارجي من خلال قراءة بعض القصص القصيرة، وذلك لتعويده على حفظ الكلام وليجمع المعلومات في ذاكرته، كذلك يجب إعطاؤه لعباً بأشكال متنوعة وكلما كبر نسمح له بتفكيك الألعاب ومساعدته على إعادة تجميعها، كما ينبغي أن نلاعبه بكلمات، ونجعله يحاول ترديدها لنحفزه على النطق، لأنه في مرحلة السنتين سيبدأ عملية معالجة المعلومات التي استقبلها من البيئة المحيطة ويبدأ بتصنيف الأشياء والسلوكيات، كما سيبدأ بالاستيعاب، وتسمى هذه العملية بالخطط العقلية لمعالجة المعلومات وهي تعريف الذكاء لدى الطفل عند العالم الكبير بياجي صاحب نظرية النمو.
وتضيف مولينا، وفي مرحلة السنتين والثلاث احرصي على تعليم طفلك الكلام بشكل صحيح، مع تجنب لغة الأطفال التي تعرقل عملية التعلم السليم، كذلك دربيه على جمع ألعابه بعد الانتهاء، ويمكن تكليفه ببعض المهام مثل إحضار شيء معين لتحفيزه على الاعتماد على نفسه، وإعطائه فرصة أكبر للتعلم وسرعة الاندماج في الحياة الاجتماعية، وفي حال كسر لعبته لا بأس أن تعطيه فرصة لمحاولة إصلاحها، كذلك عندما يضيع شيئا اجعليه يبحث عنه، هذه التمارين تنمي نشاطه العقلي وتدربه على الاعتماد على نفسه، ولا تنسي أن تخصصي وقتاً ليلعب مع أقرانه من أجل تعلم روح الجماعة والإندماج، فهذا يساعده في أن يكون شخصاً اجتماعياً كما أن اللعب في إطار الجماعة يعلمه إثباث ذاته، وفرض وجوده، وإبراز شخصيته، ويخفف من خطر العدائية عند الطفل. كما أن أخذه للروضة في سن الرابعة يعوده على النظام وعلى العمل الجماعي ويكتسب من خلالها صداقات وخبرة في تكوين علاقات.
أما في حالة تعريض الطفل من سن الرضاعة الى مرحلة الطفولة المبكرة ومرحلة ما قبل المدرسة لقنوات يشاهدها بالساعات، سيعتاد على الإيقاع، والصور، والمشكلة هنا تكمن أنه في هذه المدة ينظر إلى صور تذهب بسرعة، الشيء الذي لا يسمح للمخ بتخزينها، كذلك بتعوده على إيقاع دون فهم الكلمات هنا يثار الطفل لشيء مبهم ومع المداومة يصل حد الإدمان، وبالتالي فهو ينفصل عن المحيط الخارجي وينزوي وسط عالم افتراضي مبهم، هنا نعرض الطفل لخطر تأخر النطق لأنه يسمع أشياء لم يتح له ترديدها ولا فهمها، كما أن تعوده على الجمود مذهولاُ امام التلفاز لساعات يخلق منه طفلا منطويا على نفسه، ومع الوقت قد يؤدي الأمر إلى أمراض نفسية صعبة مثل التوحد والإنطواء، وثقل الفهم، والغباء الاجتماعي، وهذه الأعراض ظهرت على أغلب الأطفال المدمنين على هذه القنوات أكثر من غيرهم حسب دراسات جمعية أمل لمحاربة التوحد، لذا لا ينصح بهذه القنوات في سن مبكرة حتى يصبح الطفل جاهزا لاستيعاب ما يدور من حوله ومع ذلك يجب تخصيص وقت قصير كي لا نحرمه من أنشطة مفيدة لنموه أكثر.