مهما اختلفت الآراء داخل العراق وخارجه في المواقف، أو في توصيف الحدث المّدوي الذي هّز العراق والمنطقة في 9 نيسان 2003 فانه يبقى هذا التاريخ هو الحدث الأهم والأكبر في تاريخ العراق الحديث والمعاصر، حيث تم فيه القضاء على أعتى نظام دكتاتوري قمعي مستبد منهياً بذلك مرحلة تاريخية مظلمة في تاريخ العراق بكل التعبيرات المأساوية التي تمظهرت بها طيلة نحو أربعة عقود. وبالمقابل، دشن هذا الحدث مرحلة جديدة واعدة بمختلف التغييرات المحتملة، وفي مقدمتها وأهمها تطلع العراقيين لبناء نظام سياسي لعراق ديمقراطي مدني يسود فيه حكم رشيد عادل ونزيه يعتمد على سلطة القانون التي تحقق الأمن وتحمي كرامة المواطن وحقوقه وحرياته، وذلك بالضد تماماً مما كان يفعله النظام السابق. هذا الحدث شكل انعطافة كبيرة في تاريخ العراق، وقد أثارت عملية اسقاط نظام حكم الطاغية وحادثة الاطاحة برمزه الاسمنتي الخاوي في ساحة الفردوس وسط بغداد حالة من الفرح والابتهاج العارمين، ليس لدى فئة أو فئتين من الشعب العراقي (الشيعة والكرد)، كما يرى البعض، وانما شملت الحالة عموم الشعب العراقي بمختلف مكوناته الاجتماعية وتياراته السياسية بمن فيهم بعض البعثيين، غير الصداميين، الذين لم يسيئوا للشعب العراقي، أو يكون الاعلاميون منهم أبواقاً في وسائل اعلامه لتضليل الشعب والتنظير لجرائم النظام وممارساته الدكتاتورية، ذلك أن أولئك البعثيين الذين اضطروا للانتماء للحزب، كل لأسبابه، كانوا يشعرون في دواخلهم بالاستعباد للنظام والخوف المرعب من سطوته وان ارادتهم مستلبة وكرامتهم مهانة.. لذلك عبّر هؤلاء ايضاً عن فرحتهم وابتهاجهم بحدث 9 نيسان سراً او علناً. غير ان تلك الفرحة وذلك الابتهاج لم يستمرا طويلاً فتطورات الاحداث والممارسات السلبية لمعظم الذين قادوا المشهد السياسي، فضلاً عن التدخلات الخارجية السلبية، لا سيما الاقليمية، قد دفعت بالكثيرين من العراقيين الى حالة الوجوم والاحباط بمرور الايام، وبدلاً من ان يحولوا نقدهم وغضبهم نحو الجهات المسببة لتلك الحالة من الوجوم والاحباط، بدأ الكثيرون منهم بتوجيه النقد واللوم الى حدث 9 نيسان والى (الاحتلال والغزو الاميركي) والى تعليق التعثر الكبير في العملية السياسية على شماعة الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، وقد أدى ذلك الى الالتقاء الموضوعي لمواقف هؤلاء مع مواقف القوى الداخلية والاقليمية التي اتخذت مواقف العداء والممارسات العدائية، منذ البدء، ضد عملية التغيير التاريخي في 9 نيسان تبعاً للرؤى الايديولوجية للبعض في الداخل وللمصالح السياسية والستراتيجية لبعض الدول الاقليمية. ومع التدهور المستمر في مسار العملية السياسية وانتشار حالة الفساد المالي والاداري وتهريب اموال الدولة الى الخارج بمختلف الطرق والوسائل والتجاوز المروع على القانون وتطبيقه، اتسع نطاق النقد واللوم لعملية التغيير في 9 نيسان بتحميل مسؤولية هذا الحدث الى (الاحتلال والغزو الاميركي للعراق) وكذلك مسؤولية (تسليم) العراق الى ايران والى الطبقة الحاكمة الجديدة التي تصدرت المشهد وهي عاجزة وغير مؤهلة لاحداث التغيير المطلوب والموعود. وفي الوقت الذي دفعت فيه حالة اليأس والاحباط شريحة من العراقيين الى (الترحم) على النظام السابق، اتجهت الشريحة الاكبر من المجتمع الى الدعوة لتغيير الطبقة الحاكمة المتنفذة وسياستها التي جلبت الخراب للعراق وذلك عبر التظاهرات الجماهيرية الاسبوعية في بغداد وعدد من المحافظات. واذا كان من الانصاف والموضوعية رؤية العديد من التغييرات المهمة والكبيرة التي تحققت بعد 9 نيسان، كالحريات واقرار التشريعات والمؤسسات الديمقراطية رغم تجويفها وتعطيل بعضها من الطبقة المتنفذة، فان ذلك يتطلب الاشارة الى العوامل والظروف التي أدت الى تجاوز الوعود التي وعدت بها عملية التغيير في 9 نيسان،الأمر الذي أدى الى إن تؤول العملية السياسية والعراق الى ما هو عليه الان من خراب ودمار واستشراء للفساد ونهب اموال الدولة – الشعب بمختلف الطرق والوسائل. لقد انجدلت مسؤولية الطبقة التي تصدرت المشهد منذ 9 نيسان 2003 مع سياسات ومواقف سلبية لبعض شرائح المجتمع في الداخل التي استخدمت العنف ضد الدولة والعملية السياسية وكذلك مع بعض الأخطاء التي ارتكبها القادة العسكريون والسياسيون الاميركيون في العراق وانجدلت، ايضاً مع المواقف والممارسات السلبية لبعض دول الاقليم ومعاداتها منذ البدء لعملة التغيير علناً او مواربة، نقول لقد انجدلت كل هذه العوامل وتزاوجت لتؤدي الى ما وصلت اليه الأوضاع وخاصة تسهيلها لدخول تنظيم داعش الارهابي الى العراق والكلفة العالية جداً التي تدفع اليوم لإخراجه منه او القضاء عليه. واذا كانت مسؤولية كل تلك الجهات في تعثر واجهاض تطور العملية السياسية واحداث التغيير المطلوب الذي وعد به التغيير في 9 نيسان، فانه ينبغي القول الآن وبكل قوة ووضوح بأنه قد حان الوقت حقاً لاعادة الاعتبار لحدث 9 نيسان التاريخي العظيم والتوقف عن توجيه اللوم والنقد اللاموضوعي اليه، وتحميله الفشل الذي يتحمله بشكل اساسي المتصدون للمشهد السياسي، وذلك ليس فقط بتحديد الدولة ليوم 9 نيسان عيداً وطنياً لكل العراقيين وعطلة رسمية يحتفى به كل عام، وانما أيضاً باعتبار هذا اليوم قد فتح الآفاق واسعة أمام العراقيين لتحقيق حلمهم باقامة نظام سياسي ديمقراطي مدني.. نظام حكم رشيد وعادل يتصدر قيادته قادة يتمتعون بالكفاءة والنزاهة والاخلاص، همهم الاساسي، ليس بناء سلطة تنهب خيرات الدولة ولا تجيد البناء والاعمار، وانما بناء دولة للعراقيين في الحاضر ولأجيالهم في المستقبل، دولة تحقق التقدم والازدهار والكرامة والحريات لجميع العراقيين.. وهكذا يمكننا ان نكون اوفياء باعادة الاعتبار المدوي لـ 9 نيسان 2003.