مع اقتراب الموسم الرمضاني ماذا نريد من قناة العراقية ومسلسلاتها العشرة؟

بغداد- العراق اليوم:

نقلاً عن جريدة الحقيقة

مع اقتراب الموسم الرمضاني، حيث تتصارع الشاشات الصغيرة على اجتذاب المشاهد، و شده نحو ما تقدمه، لا تجد تلك الشاشات زاداً بصرياً، غير الدراما، و خصوصاً تلك المسلسلات ذات الحلقات الثلاثين في الغالب، و  التي يجد المُشاهد الرمضاني نفسه مشدوداً إليها بحكم تلك العادة الجارية منذ ظهور التلفزيون في الوطن العربي، اذ اعتادت الأجيال أن تنتظر موعداً ما بعد الإفطار، لتجتمع و تتحلق حول الشاشة الصغيرة، لمتابعة عمل درامي، في العادة يمزج بين الكوميديا و النزوع الاجتماعي الترفيهي، فلا يحتمل المشاهد دراما معقدة، كتلك السياسية الطويلة مثلاً، أو تلك المكتوبة لمواسم أخرى.

طبعاً في العراق، لا يختلف عن هذا السائد، الا أنه في زمن الديكتاتورية الصدامية التي كانت تحتكر الحياة العامة، وظفت الدراما، أو جزءاً منها، لأغراض تعبوية، تسلطية، و لم يأخذ المشاهد العراقي الذي لم يجد امامه بداً من المشاهدة، سوى بعض الذكريات الجميلة من اعمال درامية ظلت عالقة في الذاكرة بل وفي القلب كذلك، بفعل التنوع الاجتماعي، و ميلها نحو الترفيه الملتزم، المحترم، و الإتجاه نحو ملامسة الحياة اليومية للطبقات البسيطة من الشعب.

 ما بعد اعصار 2003، وانسحاب الدولة من ميدان الإنتاج التلفزيوني، الدرامي، و الاتكاء على البرامج السياسية المملة، أخذت فضائيات معينة، ذات خلفيات إيدلوجية واضحة، دور المؤسسات الحكومية في تقديم دراما ذات أبعاد سياسية تعبوية

في (الاتجاه المعاكس للتغيير)، فكانت جزءاً فاعلاً من سياسة التوهين لعراق ما بعد الدكتاتورية، و تمكنت من إجبار المئات من الفنانين على الانسياق نحو اهدافها، دون رغبة منهم، لكن لقمة العيش، و غياب دور الدولة في دعمهم و رعايتهم أدى الى ظهور مسلسلات تلفزيونية، كانت كالزيت الذي يصب على عراق ملتهب وقتذاك، ولا نريد أن نمضي لنسمي تلك الفضائيات و تلك الأعمال التي أثرت بصراحة على الوعي الاجتماعي، و نجحت للأسف في " تسويد" صفحة العراق الجديد، و ضرب المواطنة، و اللعب على تناقضات مشهد سياسي مرتبك ومضطرب فعلاً.

 عملياً، أخذ بعض الفنانين العراقيين موقفاً واضحاً من تلك الأعمال، و قاطعها، ملتزماً الصمتِ مرة، والبحث عن منافذ أخرى محترمة، لائقة لانتاج اعمال درامية ذات محتوى مقبول، يحاكي التنوع الاجتماعي، و يحافظ على قيم المجتمع، و يرتفع بالوعي من مآلات اخذته اليه بعض الأجندة الاعلامية المشبوهة، مرة أخرى.

 و كي لا نطيل المقام في استعراض ما مر، و ما حدث، ومع أهمية ذلك في سياق التبيين التاريخي للقارئ الكريم، لكننا نؤكد أن انعطافة مضيئة، و مسؤولة حدثت خلال الاعوام القليلة الماضية، حين التفتت الدولة الى هذا المفصل، و أخذت الحكومات بتخصيص مبالغ وافرة لدعم الدراما الوطنية العراقية الجادة، الرصينة، و التربوية، و الاخلاقية، دون أن تتدخل، أو " تؤدلج" هذه الأعمال لاغراض تعبوية، كما كانت تفعل حكومة البعث، و أذنابها من فضائيات الشر ، و هذا أيضاً أمر محمود، ينبغي على كل فنان ملتزم، و صحافي، و كاتب وطني جاد، أن يدعمه، لاسيما أن " هذه الدراما" ستمول من المال العام، و يجب أن توجه لقضايا تخدم الصالح العام فحسب.

  و مع ما بلغ الى مسامعنا الصحافية، و هي العليمة بحكم التخصص المهني، من تخصيص رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، لمبالغ مالية محترمة، بعد لقائه مع نخبة من الفنانين العراقيين، و توجه شبكة الإعلام العراقي، باعتبارها النافذة الإعلامية للدولة العراقية، لانتاج عدد من المسلسلات الجديدة، و بأهداف توعوية، فضلاً عن الهدف الترفيهي، و التسلية التي يجب أن تقف وراء كل عمل فني بطبيعة الحال، فأننا نود أن نسجل بعض الملاحظات لصانع القرار في هذا الأمر، و منها على سبيل المثال، لا الحصر، أن توجه الشبكة لإنتاج عشرة اعمال درامية دفعة واحدة، و لموسم محدود و محدد بثلاثين يوماً فقط، و نقصد به الموسم الرمضاني، لهو امر مبالغ فيه دون شك، إذ يفترض الاكتفاء بانتاج ثلاثة اعمال رصينة مثلاً لهذا الموسم، تكون بمستوى فني عال، وحبكة درامية ممتازة، على أن توزع بقية الأعمال السبعة على بقية الأشهر، فالدراما يجب أن تكون عملاً مستداماً من خلال الشاشة الصغيرة، لا أعمالاً موسمية، متراكمة فوق بعضها البعض، تضيع في زحمة التنافس مع اكثر من الف فضائية و منصة تلفزيونية على مشاهد عراقي يجد نفسه حائراً وسط اطنان من البثوث التلفزيونية الواصلة اليها بسهولة و يسر وحرفية.

 كما أننا نود الإشارة هنا، الى أن الحكومة التي خصصت هذه المبالغ في مبادرة ممتازة، يجب أن تقنن هذا الأمر في قابل الايام، بحيث يصبح هذا السياق مادة قانونية مقرة في قانون الموازنة العامة، و أن يؤسس صندوق حكومي خاص برعاية هذه الصناعة الناعمة والفاعلة

بما يضمن استدامتها واستمرارها، و أيضاً يضمن فرص عمل كريمة و متكافئة للطاقات الفنية العراقية، سواء من الممثلين، او كتاب دراما، أو المخرجين، أو المصورين، أو أي تخصص من تخصصات هذه الصناعة الجميلة والمهمة.

كما أن على إدارة الشبكة العليا، أن تحسن إدارة الأموال التي خصصت لهذا المجال، و أن تذهب بها الى حيث اريد لها ان تذهب، و أن لا تدخل سياقات بعيدة عن الدراما، او تحشر ابواب لا علاقة بها، كي لا تسلق" المسلسلات" سلقاً، و أن لا تضيع فرصة تسويق دراما تلفزيونية متقدمة، مشغولة بتقنيات فنية و إبداعية قابلة للتسويق داخلياً، و المنافسة خارجياً، و خصوصاً أن ما يرد لمسامعنا للأسف، أن هذه الاعمال ستصور في الأشهر الثلاثة المقبلة، و هذا عبء ثقيل لا يجب ان تتحمله الشبكة، فتفسد فرحة التخصيصات، و تحرمنا من متابعة اعمال عراقية، نظن أنها لا تزال محفوظة في دفاتر وحواسيب كتاب دراما في العراق و خارجه.

نتمنى أن لا يتم التعامل مع هذا الملف الحساس على أنه ملف بيروقراطي، و فرض يجب اسقاطه و شطبه من الأجندة، و ان لا يتم التعامل معه ضمن ما يتم مع مشاريع حكومية، تخصص لها الأموال، ثم يطلب منها ان تنفق بأي شكل، و ان تتم تسويتها بأي شكل أيضاً ..!!

لذلك نتمنى أن يستفاد من هذه الأموال، ومن هذه الأعمال الدرامية، وأن تتحقق الغايات والأهداف المُثلى منها.

علق هنا