بغداد- العراق اليوم:
جاسم الحلفي
أرثي لحال بعض "المثقفين" الذين يُحَمّلون المقاومة الفلسطينية مسؤولية ما لحق بغزة من تقتيل وتدمير، معتبرين ان العملية الجريئة في 7 تشرين الأول، التي كسرت شوكة قوات الاحتلال، كانت استفزازا للإسرائيليين دفعهم للانتقام بقتل المدنيين.
يبدو ان الذاكرة "الثخينة" لهذا الطراز من المتثاقفين، لا تحفظ تاريخ العدوان الغاشم الممعن بالإجرام ضد اهل غزة وكل الفلسطينيين، والذي لم يوفر بطشا ووحشية الا واستخدمهما ضد أصحاب الأرض والحق، والذي مارس صنوف الجرائم السياسية بدءا من الاحتلال والتهجير وصولا الى الاعتقالات العشوائية التي لم يسلم منها حتى الأطفال القاصرين.
لم يمر على بال هذا النوع من "المثقفين" ان عملية طوفان الأقصى، التي باغتت قوات الاحتلال والقمع الإسرائيلية، هي احد ردود الفعل على بشاعة وتجبّر الاحتلال وجرائمه الشنيعة. ومن اين للرؤوس المشبعة بأفكار الهزيمة والقابعة في الذل الذي لا يعرف معنى الكرامة، ان تدرك ان المقاومة بكافة اشكالها هي حق مشروع أقرّته القوانين والشرائع. وان العملية التي يسيئون اليها برهنت على فشل نظرية تفوق إسرائيل عسكريا و"جبروتها" الذي لا يقهر، بل وهزت الكيان الصهيوني وأربكت القيادات. وفي الوقت نفسه اذهلت البسالة الفلسطينية العالم كله.
ان جرائم الإبادة الجماعية التي أقدمت عليها قوات الاحتلال في غزة، هي امتداد لسياسة إسرائيل ولتوحشها على مدى الـ 75 عاما الماضية. وإسرائيل اليوم لا تمتلك ادنى مصداقية بشأن أية دعوة للسلام اقترحها العالم، وعلينا العودة بالذاكرة الى مباحثات السلام السابقة واتفاقية أوسلو، وصبر الرئيس الراحل ياسر عرفات حتى أصابه اليأس التام منهم ، بسبب زيف وعودهم وعدم التزامهم وبراعتهم بالتسويف.
ولا يمكن ان يغيب عن البال ان إسرائيل انما قامت على الاحتلال وتوسيع رقعة الاستيطان، نظرا لاستنادها على فكرة صهيونيةٍ عمادها وعد يهودي بتحقيق دولة لهم من النيل الى الفرات. ولم تكتب إسرائيل دستورا لها، لأنها لم تستكمل احتلال الأرض التي جاء بها الوعد الصهيوني.
لا يمكن فهم السياسة الاستيطانية الإسرائيلية دون الاطلاع الدقيق على فكرها الصهيوني العنصري. فالعنف الهمجي والتوحش هو الاسلوب الفاشي في ممارسة سياستها وتحقيق مآربها، ومن هنا فان جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها في غزة هذه الأيام، على مرأى من العالم كله وفي تحدٍ سافر للقانون الدولي، هي استمرار لجرائمها السابقة بحق الشعب الفلسطيني. وقد تكون سرّعت وتيرتها وزادت وحشيتها بعد كسر هيبتها غداة عملية طوفان الاقصى.
لكن لننظر في ما حققته إسرائيل بوحشيتها في قتل الأطفال والنساء، وهل غير سخط شعوب العالم عليها، وازدراء همجيتها، واستنكار افعالها المشينة؟ حيث نرصد تعاطف الراي العام العالمي مع الشعب الفلسطيني، بشكل واسع وغيرمسبوق، وتأييد كفاحه من اجل حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
وبعكس ما أعلنت من أهداف لعدوانها على غزة، ومنها تصفية حركة حماس وإطلاق سراح اسراها، وهي التي لم تستطع اسر قيادي واحد من حماس، ولم تتمكن من العثور على واحد من اسراها، أضطرت إسرائيل الى تبادل الاسرى بشروط المقاومة، التي كانت قد أعلنتها بعد ساعات من تنفيذ عمليتها طوفان الأقصى الجسورة.
*
اضافة التعليق