بغداد- العراق اليوم:
الدكتور جاسم الحلفي
لم يكترث اعلام طغمة الحكم لحدث اختفاء 160 مكيف هواء من مستشفى الرشاد التدريبي للأمراض النفسية والعقلية، ولم يخصّ الخبر بتغطية مناسبة. كذلك الحال في وسائل التواصل الاجتماعي، التي لم يدم تداوله على صفحاتها سوى بضع ساعات.
فالناس لم تعد تهتم بانباء كهذه رغم شناعتها، نظرا الى كثرة توارد فضائح الفساد وسرقات المسؤولين، حتى غدت اخبار نهب الأموال العامة روتينية، لا تثير انتباها كثيرا، فيما يئست الناس من جدوى الإجراءات الرسمية لقطع دابرها. ولعل اكثر ما كان يمكن سماعه ردا على الفعل الاجرامي المذكور، هو ما نص عليه الامر الاداري 124 الصادر في 31 تموز المنقضي عن دائرة صحة بغداد/ الرصافة، المتضمن سحب يد مدير مستشفى الرشاد الدكتور علي رشيد زرزور الركابي و”الايعاز الى قسم التفتيش بالإسراع في إجراءات التحقيق بالموضوع”. فالاجراء لا يتعدى سحب يد المدير وتشكيل لجنة تحقيقية، تموت في مهدها شأن مثيلاتها الكثيرات السابقات. واذا لم تمت فقد يصدر عنها تقرير يغطي على الجريمة ويمحو أثرها، تطبيقا لمنطق المحاصصة التي هي عمود النظام وحامية احزابه.
لأيام معدودة فقط ستنشغل المستشفى المنهوبة بالقضية، ثم يتم تناسيها بدعوى انها “قابل أول لو آخر بوكة”، هذه العبارة المكبّلة لأي رأي نزيه او جهد حريص يسعى الى قطع دابر الفساد. ويبقى انتظار فعل مشين آخر يغطي على الأول، حتى غدا عدم التصدي الصادق للفساد امرا اعتياديا في هذا البلد.
وقد بلغت احدى “صولات” اللصوصية بالامس درجة من الهول والصلافة، سميت فيها معها “سرقة القرن”، وكان الأمر يتطلب مقاضاة منفذيها في “محكمة قرن”، محكمة بمستوى الجريمة التي شارك فيها كبار الشخصيات التنفيذية في البلد كما يشاع. لكن الخيبة كانت كبيرة حين تم اطلاق سراح نور زهير، المتهم الرئيس في واقعة سرقة أموال الضرائب العامة، فيما لم تصل يد العدالة الى المتهمين معه - شركائه في الجريمة، سواء من مهدوا له طريقها او قبلهم من دبروا مكيدتها. ومع كل جلجلة تلك الفضيحة، كان التستر على كبار شخصيات الدولة المتورطة هو السلوك السائد.
واذا كانت جريمة نهب بحجم ميزانية دولة قد تم التهاون مع مرتكبيها، فما الذي يدعو للتفاؤل بالامر الاداري المرقم 124 في 2023/7/31 ؟
لقد وصلت خسة الفاسدين ووضاعتهم حد التطاول على مستشفى امراض نفسية وعقلية، وعلى حقوق نزلائها الذين هم أولى بالاهتمام والرعاية وتوفير مستلزمات الراحة الضرورية، لا ان يتركوا تحت حرارة هذا الصيف اللاهب، الذي يذهب حتى بعقل من عنده عقل.
*
اضافة التعليق