القاص علي السباعي
حلَّتْ الظلمة شعرها الفاحم فوق أكتاف المدينة عند مفترق الأزقة، حيث مكان القمامة. احتشدت كلاب تحوم فوق القمامة، تتشممها، تلعقها، وعلا نباحها يمزق سكون الليل، إثر مرور رجل ببدلةٍ أنيقة. القمر منير في عرشه، تدغدغه غيمات بيضاوات رشيقات، خُطا الرجل الأنيق تتعثر بأحجار الطريق، داهمه نباح كلاب شرسة، كأنها خفافيش من نار اخترقت أذناه، رأسه، جسده، انحنى يروم التقاط حجر يدفع به شر الكلاب. كان الحجر عبارة عن: رأس كلب صغير، بعينين حمراوين لامعتين كالجمر، يظهر رأسه ورقبته من الأرض. شهق مرعوباً، تردد صدى شهقته عريضاً في الزقاق، ابتعد بعض خطوات مرتبكة، انحنى على حجر آخر كبير، فإذا هو كلب برأس أبيض وبوز أسود، ونفس العينين الحمراوين اللامعتين. ارتجف، تضعضع، تلفت حولـه كعصفور تحاصره النيران، دارت عيناه في محجريهما، نظر إلى أعلى وجد القمر يتكئ مسترخياً على وسادة من الغيوم البيض. ارتفع صدى الرجل الأنيق باللهاث، والكلاب تنبح بشراسة، عيناه عبثاً تبحثان في الظلمة عن حجر، تقدم الكلاب الجائعة، وبلا توان راح... يشاركها عواءها.