بغداد- العراق اليوم:
فالح حسون الدراجي سأل الشاب علي - الذي أطفأ قبل يومين شمعته الثلاثين - خاله (أبو سلام)، قائلاً: أود أن أسألك (ياخال) سؤالاً، أنت الوحيد القادر في أسرتنا على الاجابة عنه، ليس لأنك قريب من الشيوعية والشيوعيين فحسب، إنما لأنك أيضاً تجاوزت السبعين، وعايشت الكثير من الوقائع والحوادث المتعلقة بطبيعة سؤالي ؟ فأومأ خاله برأسه موافقاً .. نهض علي واقترب من خاله (أبو سلام) قائلاً: أحقاً يا خالي، أن (الشيوعية كفر والحاد) ؟! فابتسم (أبو سلام ) وقال: قبل أن أجيب عن سؤالك هذا، سأطرح أنا عليك سؤالاً أيضاً، وسيكون جوابك مفتاحاً لباب موضوعنا: وسؤالي: ما هو رأيك لو سمعت شخصاً يقول لك، إن الشيوعيين لصوص، ومرتشون، وفاسدون، وإن قادتهم يقبعون خلف قضبان النزاهة في السجون العراقية؟ فضحك علي وقال: ما هذا السؤال الصادم والفنتازي يا خال، وأنت تعرف، والجميع يعرف، أن الشيوعيين هم العنوان الأبرز للنزاهة والأمانة، والاخلاص، حتى باتوا اليوم مقياساً تقاس عليه نزاهة الفرد، ودرجة أمانته وطهره. فقاطعه خاله قائلاً: إذن هذا هو رأيك؟ فقال علي: هو ليس رأيي فقط، إنما هو رأي جميع العراقيين، واظن أن كل شخص يستطيع أن يتهم الشيوعيين بأي اتهام، ويوجه لهم أي تهمة، إلا في النزاهة والامانة والشرف الوظيفي، فهذا خط أحمر، لأنك لو اتهمتهم في نزاهتهم، فلن تجد أذناً صاغية لك، ولو وجدت من يسمعك، فلن تجده مصدقاً لاتهامك وهذيانك، وستقابل بالرفض القاطع، وبالسخرية، وربما بأكثر منهما، لأن العراقيين باتوا ينظرون الى الشيوعيين - بعد أن خبروهم، وجربوهم طويلاً- نظرة احترام هائل، وصاروا في عيون الناس كأنهم قديسون أو كائنات هبطت من كوكب آخر، فنزاهة الشيوعي باتت مضرباً للأمثال وقصيدة متميزة تقرأ في كل مجال، وثق ياخالي إن كلامي هذا دقيق ولامبالغة فيه قط، فالشيوعيون بأياديهم البيض النظيفة، وبسمعتهم الناصعة، وفي زمن أصبح فيه النزيه عملة صعبة، ونادرة الحصول في مؤسسات ومصالح الدولة والمجتمع، وفي ظل (سرقات القرن) وغيرها من الكوارث التي ساهم في ارتكاب اغلبها ممثلو احزاب الاسلام السياسي من السنة والشيعة، أصبح من الطبيعي أن يحظى الشيوعيون بالحصانة المجتمعية المطلقة التي تحفظ كرامتهم، وتصون اسمهم، وتمنع كل من يحاول ثلم رصيدهم المشرف، فمن ذا الذي يتخلى عن ضميره، ودينه وقيمه واخلاقه، ويتهم الشيوعيين بالفساد مثلاً؟ وهنا وقف أبو سلام على قدميه، قائلاً بصوت عال: ممتاز، إذن، الشيوعي نزيه بالضرورة، وطاهر اليد والضمير بالتجربة، وهذا يعني أنه ذو أخلاق راقية وسامية؟ فقال علي: نعم نعم ياخال.. فمسكه خاله من يده، وقال له: وبناءً على ذلك، هل تعتقد أن هناك شخصاً يملك كل هذا الخزين الأخلاقي، وكل هذا الرصيد الفخم من المبادئ، أن يكون كافراً وملحداً وفاسقاً ومفتقداً للشرف.. إذ كيف يمكن للأخلاق الراقية والعالية أن تنبت في ضمير كافر، ملحد، فاسق وعديم الشرف، كما يسميه أصحاب نظرية ( الشيوعية كفر والحاد)؟! فقاطعه علي قائلاً: ولكن هم لم يقولوا إن الشيوعي كافر وملحد وبلا شرف واخلاق، إنما يقولون (الشيوعية كفر والحاد) بمعنى انهم يتهمون العقيدة وليس الفرد الشيوعي! فابتسم أبو سلام، وقال له: إن المرء مرآة عقيدته، يعكس ما فيها من قيم واخلاق ومبادئ وأفكار ، ونوازع، وضوابط.. إن العقيدة ومعتنقها متعانقان ومتماسكان، فهما أشبه بثنائية (العين والرؤية) لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. فاذا كان المرء نزيهاً وأميناً وشريفاً، فستكون منظومته الفكرية وعقيدته شريفة ونزيهة، والعكس صحيح أيضاً. هنا صمت علي برهة، ثم قال لخاله: هذا يعني أن الشيوعيين ليسوا كفرة، وأن عقيدتهم ليست إلحاداً كما يتهمون به؟ فقال خاله: لا، ليسوا كفرة ولا ملاحدة، فالشيوعيون أشخاص عاديون مثلي ومثلك، يعيشون بين الناس مثل الآخرين، واستطيع القول إن في كل بيت عراقي، وعائلة عراقية، تجد شيوعياً أو متعاطفاً مع الفكرة الشيوعية، فهل أن العوائل العراقية كلها كافرة وملحدة؟ ويكمل (أبو سلام) في بنية الحزب الشيوعي العراقي تجد المسلم والمسيحي والصابئي.. كما ستجد شيوعيين يؤدون الصلاة، ويصومون شهر رمضان، بل أن بينهم أشخاصاً معممين، وفيهم من يعود نسبه الى الرسول محمد، وسأفاجئك وأقول لك ان المؤرخ الكبير حنا بطاطو، أشار في الجزأين الثاني والثالث من كتاب “العراق”، الى أن الكثير من قادة الحزب الشيوعي العراقي هم أبناء لرجال دين.. فحسين محمد الشبيبي عضو اللجنة المركزية للحزب الذي استشهد مع المؤسس فهد عام 1949، هو نجفي شيعي، وكان والده رجل دين، كما أن سكرتير الحزب الشيوعي العراقي حسين أحمد الرضي " سلام عادل "،الذي استشهد تحت التعذيب في انقلاب شباط الدموي عام 63، كان والده "سيد " ورجلاً تقياً. أما عامر عبد الله، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي، وهو سنّي، فقد كان أبوه مؤذناً للصلاة في جامع بمدينة عنه. ووالد الشقيقين الشيوعيين البارزين عزيز شريف وعبدالرحيم شريف كان خطيباً في الجامع نفسه، وكذلك كان والد شريف الشيخ رجل دين. في حين كان القائد الشيوعي الشهيد جمال الحيدري كردياً من عائلة الحيدريين، وهي عائلة أسياد. أما الشهيد محمد حسين أبو العيس، مسؤول مكتب الفلاحين بالحزب، فقد كان شيعياً "كظماوياً " من عائلة أسياد. ووالد بهاء الدين نوري سكرتير الحزب الشيوعي الأسبق، كان مدرساً في جامع ساح رحيمين في السليمانية.. اما القائد الشيوعي المعروف مفيد الجزائري، رئيس تحرير جريدة طريق الشعب، فهو (سيد) أيضاً. ولعل الكثيرين لا يعرفون ان الكاتب الشيوعي البارز شمران الياسري، هو ابن عم (سيد مالك)، الشخصية الدينية والاجتماعية المعروفة في الكوت، ولضريحه مقام ومزار في مقبرة وادي السلام.. والآن، وبعد كل هذا، أليس من الغريب مثلاً أن يتهم الحزب الشيوعي العراقي بالكفر، بينما تجد 32% من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي من( 1955-1963 ) هم من عائلات (سادة) ورجال دين، متوزعون: سنّة وشيعة وكرد ؟! ولا يتوقف الامر عند اعضاء الحزب الشيوعي العراقي فقط، إنما هناك الكثير مثلهم من الشيوعيين العرب أيضاً، فالشهيد حسين مروة عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني، كان معمماً وخريج حوزة النجف، ومثله كان الدكتور (الشيوعي) محمد شرارة، رجل دين تخرج من الحوزة النجفية، ولعل الامر الأهم أن الشهيد عبد الخالق محجوب مؤسس وسكرتير الحزب الشيوعي السوداني، كان يصلي ويصوم، ويؤم المصلين في السجن طيلة السنوات التي قضاها في المعتقلات، ويقال ان محجوب كان أفضل من يرتل القرآن في عموم السودان.. فكيف يكون مثل هؤلاء، كفرة وملحدين ومنحلين، وبلا قيم واخلاق ؟! فقاطعه علي قائلاً: عجباً ياخال ترى من أطلق على الشيوعيين تهمة الكفر والالحاد وانعدام الاخلاق، والزواج من المحارم، وبقية البلاوي والتهم الظالمة التي تهز الجبال لو ألقيتها يوماً على الجبال ؟ فرفع أبو سلام رأسه نحو علي قائلاً: إنها (شغل سياسة) يابني، سياسة ومغطاة بغطاء الدين.. فالخلاف كما تؤكده الوقائع (سياسي محض)، بمعنى لا علاقة له بالمادية التاريخية أو الديالكتيكية، ولا يتعلق بأصل الانسان أو أصل العائلة، او العلمانية حتى.. وسأؤكد لك ذلك، وهو موثق في مقابلة طويلة استمرت 40 حلقة حملت عنوان ( الصندوق الاسود) وتحديداً الحلقة السابعة. ذكر السياسي العراقي ( النجفي) فائق الشيخ علي، للاعلامي عمار تقي، أن السيد الخميني أعلن أمام مراجع النجف الكبار عام 1967 عن تحفظه التام على فتوى (الشيوعية كفر والحاد) ورفضه لها.. حيث قال لهم بصراحة: إن هذه الفتوى سياسية محض، تأتي لمصلحة الشاه شخصياً، لأن حزب توده (الشيوعي) الايراني هو احد القوى المعارضة القوية ضد شاه ايران ! إذن، القضية تتعلق بالسياسة وليس بالعلمانية، ولو كان الامر يتعلق بالعلمانية فعلاً، لقاموا بتكفير حزب البعث العربي الاشتراكي، أليس البعث حزباً علمانياً أيضاً، فلماذا لا يكفروه، اللهم إلا إذا كان ميشيل عفلق، واحداً من العشرة المبشرين بالجنة ونحن لا ندري، او أن طه الجزراوي كان مؤذناً في جامع (أم الطبول) مثلاً ؟! قاطعه علي قائلاً: أعتقد يا خال أن الكثير من المراجع الدينية أدانوا عقيدة البعث ! فأجابه ابو سلام قائلاً: نعم هم أدانوا البعث، ولكن كسياسة اجرامية لحزب قتل الكثير من علماء الدين من الشيعة والسنة، وليس كعقيدة (علمانية كافرة)!! وحتى إذا وجدت من يكفرهم كفكرة وعقيدة، فلن تجد هذا التكفير منشوراً ومعروضاً على العلن، إنما قد يكون محفوظاً بشكل سري، أو في مكان لا يعلم به أحد، والدليل أننا لم نسمع به، ولم يصل الينا .. فما فائدة هذا التكفير إذن ؟! أنا أقول لك ذلك، وأمامي فقرة من التقرير المركزي للمؤتمر القطري التاسع لحزب البعث، المنعقد في بغداد، شهر حزيران من عام 1982، هذا نصها: (وأما الظاهرة الدينية في العصر الراهن فإنها ظاهرة سلفية ومتخلفة في النظرة والممارسة ..ومن الأخطاء التي ارتكبت في هذا الميدان أن بعض الحزبيين صاروا يمارسون الطقوس الدينية وشيئاً فشيئاً صارت المفاهيم الدينية تغلب على المفاهيم الحزبية.. إن النضال ضد هذه الظاهرة ـ يقصد الظاهرة الدينية ـ يجب أن يستهدفها (الحزب) حيث وجدت .. لأنها كلها تعبر عن موقف معادٍ للشعب وللحزب وللثورة وللقضية القومية ... )! وللتأكيد على ذلك، قام صدام حسين، بطرد عضو القيادة القطرية لحزب البعث جعفر قاسم حمودي من الحزب، لأن المسكين شوهد (متلبساً) بالصلاة يوم الجمعة في جامع الحاج بنيّه ...والسؤال: ماذا لو قام رائد فهمي، او حميد مجيد موسى، او عزيز محمد، بطرد رفيق شيوعي، لأنه ارتاد مسجداً ؟! فقال علي ضاحكاً: وقد لا يجدون شيوعياً يصلي، ليطردوه !! فردّ عليه خاله بحزم: لا يهمني ذلك، سواء كان هناك شيوعي يصلي أو لم يكن، فأنا أتحدث عن التحيز في المواقف فحسب ! قال علي: لكنك ياخالي لم تقل لي من هو أول شخص أطلق تهمة الكفر على الشيوعية؟ فأجابه خاله: حسن البنا مرشد ومؤسس جماعة الاخوان المسلمين أول من أطلق عبارة (الشيوعية كفر والحاد)، وذلك قبل حوالي ثمانين عاماً، عندما كان الحزب الشيوعي المصري، حزباً جماهيرياً مؤثراً في الشارع المصري الفقير، وكان منافساً بقوة لجماعة الاخوان، خاصة وانهما تأسسا في عشرينيات القرن الماضي، لذلك اطلق (البنا) عبارته هذه لإبعاد الناس الفقراء عن طريق الحزب الشيوعي.. وقد نشط الرجل كثيراً ضد الشيوعيين المصريين بعد اللقاء الذي تم آنذاك بينه وبين سكرتير السفارة الامريكية في القاهرة (فيليب ايرلاندا)، وقد تم الاتفاق بينهما على التعاون من اجل انهاء الشيوعية في مصر - حسب ما جاء في الفصل الاول من كتاب (مع الشهيد حسن البنا)، للدكتور محمود عساف أمين معلومات الاخوان، وكاتم اسرار البنا - ويمكنك الرجوع لهذا الكتاب! ولعل من المفيد ذكره هنا، أن حسن البنا كان الأب الروحي والشرعي لجميع الحركات والمنظمات الارهابية التي تأسست ونمت وتغذت على افكاره وعقيدته العنفوية، بدءاً من منظمة التكفير والهجرة، مروراً بتنظيم القاعدة، وليس انتهاءً بتنظيم داعش، حيث يقول البنا في رسالة وجهها إلى شباب الجماعة يتحدث فيها عن أمله في أن يكون لديه من (الإخوان) كتائب مقاتلة من الشباب يغزو بهم العالم فيقول: «في الوقت الذي يكون فيه لكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسها .. في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحر، وأقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله» . من أجل ذلك أنشأ حسن البنا (الجهاز الخاص)، الذي ارتكب الكثير من الاغتيالات البشعة، وفقاً لما ورد في مذكرات قادة الجهاز الخاص - أحمد عادل كمال ومحمود الصباغ - حيث ورد في مذكراتهم: “ إن قتل أعداء الله هو من شرائع الإسلام”. وبعد حسن البنا استمر العزف على هذا الوتر-حسب الحاجة- في مختلف الطوائف والأزمان والأمكنة.. وحين استخدم في العراق شعار تكفير الشيوعية نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، فهو أيضاً لم يكن بعيداً عن السياسة، كما أن تأثيرات شاه ايران، والتحريض الكويتي كانا حاضرين عند اطلاق هذا الشعار آنذاك.. بدليل أن أبناء المرجع الذي اطلقه، - وكلهم ذوو مراتب حوزوية ومقامات دينية رفيعة- لم يلتفتوا لهذا الشعار وهم يضعون أيديهم في أيدي قادة الحزب الشيوعي العراقي، ويصطفون معهم في تكتل وطني معارض للدكتاتورية، ضم عدة قوى سياسية ودينية تناضل معاً ضد نظام المجرم صدام حسين، ولم يقل وقتها أي واحد من هؤلاء (السادة) إن حليفه وشريكه (الشيوعي) في حركة المعارضة، وفي مجلس الحكم، وفي الحكومات المتعاقبة كافر وملحد ! وهذا يؤكد على أن (الإشكال) كان سياسياً، وليس دينياً قط. لقد تغيرت النظرة الى الشيوعيين واختلف تقييمهم، حال أن تطلبت ضوابط السياسة ذلك، بحيث لم تعد الشيوعية على السنتهم كفراً والحاداً وانحلالاً مثل قبل! وما أن انهى ابو سلام كلامه، حتى بادره علي قائلاً: أنا لا أفهم يا خال كيف يمكن أن يكون الشيوعي (النزيه) كافراً، بينما يكون (المتدين) لصاً مرتشياً يقبع خلف قضبان العدالة، او ملاحقاً بأوامر القبض من القضاء والنزاهة ؟! إن هذا الأمر مربك وغير صحيح، وإن ثمة خللاً في الموضوع، فإما ان تكون مقولة (الشيوعية كفر والحاد) ظالمة بحق هذا الشيوعي النزيه، الأمين، الشريف، وإما أن يكون هذا الفاسد الحرامي القابع خلف القضبان، هو الكافر الذي يستحق تأشير كفره بفتوى واضحة، لأني اجد في غير ذلك، إساءة بالغة للدين الاسلامي الحنيف ذي الرسالة المحمدية الكريمة.. كما أقترح ان يتغير عنوان العبارة، ليكون: (الفساد والرشوة.. كفر والحاد، والنزاهة والأمانة إيمان للعباد) فضحك (ابو سلام)، وقال له: ثق يا ولدي، أن الفاسدين ليسوا مسلمين ولا مؤمنين، إنما انتحلوا هوية الاسلام ظلماً.. فالإسلام برأيي هو اسلام علي، وابي ذر، وسلمان الفارسي والحسين، والخطاب وعمر بن عبد العزيز ، أما اللصوص والقتلة فهم بلا دين ولاعقيدة، وثق أيضاً أن الشيوعيين النزهاء هم امتداد لنهج الإمام علي ودفاعه الدائم عن المستضعفين، وقد آن الأوان لكي يعترف الآخرون، أن الشيوعيين - وبفعل التجربة- هم الأقرب لطريق علي بن ابي طالب، من جهة النزاهة والامانة والمساواة والعدالة، ونصرة الفقراء، ومحاربة الفساد، لذلك وقف الشاعر الكبير مظفر النواب مخاطباً الإمام علي بهذه الأبيات: “ أنبيك علياً... ما زلنا نتوضأ بالذل ونمسح بالخرقة حد السيف... وما زلنا نتحجج بالبرد وحر الصيف... ما زالت عورة عمرو بن العاص معاصرةً...وتقبح وجه التاريخ.. ما زال كتاب الله يعلق بالرمح العربية... ما زال أبو سفيان بلحيته الصفراء...يؤلب باسم اللات...العصبيات القبلية... ما زالت شورى التجار، ترى عثمان خليفتها...وتراك زعيم الرعوية ... لو جئت اليوم لحاربك الداعون إليك... وسمّوك شيوعياً...” فقال علي لخاله: يا سلام مظفر فقال له خاله: نعم فالسياسة كارثة ياولدي.. لكن دعني ألطف الجو، (وأضحكك) .. بما أن العامل السياسي هو المحرك الاساسي للمواقف، والقرارات، فهو احياناً يسهم في زعزعة الثوابت والبديهيات في عقول الناس، وفي هذه النقطة اتذكر لقاءً واسعاً كان قد تم في قاعة معهد التدريب الاذاعي في السبعينيات، أجراه محمد سعيد الصحاف مدير الاذاعة والتلفزيون آنذاك، وقد ضم اللقاء عدداً كبيراً من الشعراء والملحنين والمطربين، وحين فتح الصحاف باب الاسئلة، نهض الفنان الراحل رياض احمد، يشكو للصحاف، ظلم ادارة التلفزيون التي ترفض منحه الموافقة على تصوير أغنياته، فسأله الصحاف قائلاً: ليش بابا يرفضون يصورون لك أغاني؟ فقال له رياض: والله استاذ يگولون شكلك مو حلو، ووجهك ما يصلح للتلفزيون.. فدهش الصحاف من كلام رياض، وهو يدقق في وسامة هذا الشاب، فالتفت الى مدير التلفزيون الذي كان جالساً الى يساره، وسأله، فهمس مدير التلفزيون في أذن الصحاف قائلاً: استاذ هذا شيوعي ! - وقد كانت آنذاك حملة تدار لتبعيث الفن والاذاعة وابعاد الشيوعيين عن المؤسسة- وهنا توجه الصحاف الى رياض قائلاً: أي بابا صحيح، أنت مو حلو، والتلفزيون يريد وجوه حلوة! فضحك رياض وقال للصحاف: استاذ الله يخليك، چا داود القيسي أحلى مني ؟ فابتسم الصحاف على مضض وأشاح بوجهه نحو النافذة: رحم الله رياض أحمد وداود القيسي، فقد كانا صديقين عزيزين، رغم الاختلاف بيننا ..
*
اضافة التعليق