بغداد- العراق اليوم: كتب النائب عبد الرحمن اللويزي: في عام 2002 كنت طالباً في كلية الشريعة جامعة بغداد , كان هناك رجل يتردد على أحد الطلاب , كان الرجل في عقده الخامس و كان يأتي إلى بغداد , بين فترة و أخرى , كلما دعته الحاجة إلى مراجعتها , كان أبو حسان -وهذه كنيته -في نظري شخصاً بسيطاً حد البلاهة , هذا ما كنت أعتقده على الأقل حينها, فقد كان يبدي تعجبه من أي معلومة يسمعها , مهما كانت بسيطة , فتدفعك دهشته من بديهيات الامور إلى الضحك و التعجب , كيف يجهل رجل بهذه السن هذه القضية أو تلك ؟ و رغم الفارق العمري الكبير الذي كان بيننا , لكن بساطة ذلك الرجل و عوقه -بتر ساقه - جعلتني احرص على الحديث معه و تقديم الخدم إليه , كان ابو حسان من محافظة ديالى , هذا كل ما أعرفه عنه أما زميلي الطالب فقد كان يعرف أبا حسان فهما من نفس المحافظة. كانت بساطة أبي حسان و سذاجته تغريني دائماً بالحديث إليه في كل لقاء كان يجمعنا , و كنت أحاوره , فكانت آراؤه و اجوبته تدفعني للضحك , بسبب بساطته و عفويته و كأني أمام شخص قادمٍ من زمنٍ آخر أو من كوكبٍ آخر إن شئتم.
و ذات يوم و بينما كنت وزميلي الطالب نتحدث , ذهب بنا شجون الحديث إلى ذكر أبي حسان , فقلت لزميلي أنه مسكين , فضحك زميلي و نظر إليَّ نظرة جد و قال : أنت المسكين , شعرت من خلال نظراته و نبرة صوته , أنه كان جاداً , فقلت له , وكيف ذاك ؟ فقال لي : لأنك لا تعرف أن أبو حسان كان يعمل في جهازالمخابرات و استمر فترة طويلة و لم يحل إلى التقاعد إلا عندما بترت ساقه في حادث. أصابني الذهول من هذا الجواب , فقلت له و كيف يمكن أن يعمل شخص بهذه السذاجة في جهاز حساس كجهاز المخابرت , قال لي ألم أقل لك أنك مسكين , قلت له : وكيف ذاك ؟ قال هو يتقمص هذه الشخصية .
فقلت له : لكنه ليس مضطراً لتقمصها الآن و قد أحيل على التقاعد. قال :لقد غلبت عليه هذه الشخصية و اصبحت جزاء من حياته. انتظرت بفارغ الصبر أن التقي بابي حسان مجدداً, لأن اللقاء هذه المرة سيكون لقاءً مختلفاً , لم أكن يومها و لغاية اللحظة التي التقيت فيها بأبي حسان , قد التقيت بأي شخص يعمل في المخابرات , فكان الفضول يدفعني للتعرف على ذلك العالم الذي يكتنفه الغموض , و الذي بنيت تصوراتي عنه من خلال ما قرأته من الروايات البوليسية أو ما شاهدته من المسلسلات التلفزيون مثل رافت الهجان و جمعة الشوان و غيرها.
و ذات يوم جاء أبو حسان , دارت في خلدي اسئلة كثيرة جداً , كنت قد أعددتها في ذهني لذلك اللقاء , لكن خطرت لي فكرة. قررت أن أطلب من أبي حسان أن يروي لي أصعب موقف مر به في حياته منذ مباشرته العمل و لغاية إحالته على التقاعد , و بهذه الطريقة سأختزل الكثير من الاسئلة , فطرحت عليه السؤال. لم يفكر أبو حسان بالجوب , بل بدأ مباشرة بسرد هذه القصة , قال ابو حسان : كان هناك شخص في الاهوار , هارب من الخدمة العسكرية (فرار) و قد التحقت به مجموعة من الاشخاص الهاربين من الخدمة العسكرية , فشكلوا مجموعة مسلحة كانت تقطع الطريق و تمارس اعمالا خارجة على القانون , فصدر الامر لي أن أنضم إلى تلك المجموعة , كان قائد المجموعة شخصاً حذراً جداً و لا يقبل في صفوف مجموعته إلا الأشخاص المُعَرَّفِيْن الثقات , فتم ابلاغي أن هناك عائلة تسكن أحد مدن تلك المحافظة و هي متعاونة مع جهاز المخابرات , ولدى تلك العائلة ولد في سنٍ مقارب لسني , فجعلوني انتحل اسم ابن تلك العائلة, حيث تم إخفاؤه و اشيع أنه هرب من الجيش , اخضع ابو حسان الى دورة مكثفة كان جزء منها االتعريف بافراد العائلة التي انتحل صفة ابنها , و بعد ان أتم الدورة التحق ابو حسان بمهمته و هيئت له الاسباب للوصول الى تلك المجموعة , و بعد أن عرف قائد المجموعة بنفسه و بعد ان جرى التحري عنه , قُبِلَ أبو حسان كفرد من افراد تلك المجموعة. يقول ابو حسان بقيت معهم ستة أشهر كاملة , كنت خلالها أمارس كافة الانشطة التي يمارسونها , و بعد ستة أشهر صدر الامر لابي حسان بالانسحاب و تمكنت السلطات الامنية من القاء القبض على جميع أفراد تلك المجموعة من خلال المعلومات المفصلة التي وفرها لهم ابو حسان. السؤال: اذا كانت أجهزة المخابرات تستطيع اختراق المجاميع المسلحة مهما بالغت في احتياطاتها الامنية , كيف يمكن أن نصدق الان بأن داعش غير مخترقة ؟ و إذا كانت كذلك , فما الذي يمنع تلك الدول التي تخترق داعش من توضيف تلك المعومات التي توفرها اجهزة مخابراتها للقضاء عليها , وماذا تنتظر ؟ قد لا يكون أبو حسان الآن على قيد الحياة و قبله مات رافت الهجان , لكن أخوة لابي حسان و رافت الهجان , من شتى بقاع الارض , بين صفوف داعش يؤدون الدور نفسه.