بغداد- العراق اليوم: جاسم الحلفي يروي الفلم المصري "معالي الوزير"، الذي أنتج عام 2002، قصة توزير رأفت رستم عن طريق الخطأ بسبب تشابه اسمه مع اسم الشخص الذي كلف بالحقيبة الوزارية. لم يحدث خطأ فظيع كهذا في أي نظام سياسي، فهي قصة كوميدية من وحي خيال كاتبها، السيناريست وحيد حامد. وهو لم يتوقع حينما كتب قصته واعدها كسيناريو لفيلم اخرجه الفنان سمير سيف، وأدى دور بطولته المبدع الراحل احمد زكي، مع نخبة من نجوم مصر، كما لم يتوقع أي شخص شاهده، ان قصة هذا الفلم الغرائبية قد تحدث ذات يوم. لكنها حدثت في العراق بعد عام 2003، حين شكل إبراهيم الجعفري حكومته في 28 نيسان 2005، واختار نقيب الشرطة المتقاعد نوري الراوي وزيرا للثقافة، اذ وقع في خطأ تشابه الاسم مع اسم احد اهم رواد الفن التشكيلي في العراق، الفنان الكبير نوري الراوي، كما تم تداوله في الوسط السياسي آنذاك. لم نستغرب تلك الواقعة، فواقعنا في ظل طغمة الحكم الفاسدة أمسى مسرحاً للكوميديا السوداء والحكايات العجيبة، حيث يتعذر على أي خيال خصب ان يتصور ما حصل ويحصل في واقعنا الخرافي. فنحن نشهد ظاهرة السوبر وزير، ونشهد بيع المناصب، وحماية الفاسد، وإعادة انتخاب الناهب، وتأبيد الفاشل في موقعه، وانتشار الرثاثة، وترسيخ التخلف. وعند السؤال عن الفرق بين الأوضاع العامة المحيطة بفيلم "معالي الوزير"، وأوضاع بلدنا اليوم، تنهض الكوابيس التي حاصرت بطل الفيلم، وخوفُه من القاء القبض عليه، وخشيتُه من تخلص اسرته منه وعدم قدرته على انفاق أمواله المهربة الى البنوك السويسرية. والكوابيس التي تؤرق نموذج الوزير الفاسد في فيلم "معالي الوزير"، لا تؤرق أيّ فاسد في العراق. وبعكس ذلك تشكل طغمة الحكم الكابوس الذي يؤرق الشعب برمته، بفعل بقائها جاثمة على صدره. فرغم كل فضائح الفساد يعيش النهّابون في مأمن من أي عقاب، ذلك انهم سخروا كل الإمكانيات الشرعية وغير الشرعية، لترسيخ وجودهم في السلطة بعيدا عن الرقابة والحساب، يحميهم نهج المحاصصة الذي لا يتخلون عنه، مهما تصاعدت الاحتجاجات ضدهم. لهذا لا تدهشني مفارقة تزامن عقد تحالف "ائتلاف ادارة الدولة" والسعي الى تشكيل حكومة وفق منهج المحاصصة، مع الذكرى الثالثة للانتفاضة، التي طالبت بنبذ هذا النهج المدمر. لكنهم رغم كل تعنتهم ورفضهم الاصغاء الى مناهضيهم، لن يستطيعوا الاستمرار في الحكم وفق هذا النهج، فالكفاح مستمر من اجل التغيير والإصلاح وإزاحة القديم المتهاوي واحلال الجديد الواعد. وكما يقول الدكتور فارس كمال نظمي في كتابه "ثورة تشرين العراقية": "مادام القديم في العراق يحتظر والجديد يستعصي على الولادة، فالحراك الثوري لم ولن ينتهي قريبا، بل إن فراغ الشرعية الناشئ عن فشل العملية السياسية منذ 2003، سيظل حافزا يغري بمواجهات راديكالية متواصلة لن تنقطع ".
*
اضافة التعليق