متابعة - العراق اليوم:
رولا حسن تختار ابتسام تريسي الشبكة العنكبوتية فضاء لروايتها وهي هنا تلعب لعبة السرد الصعبة التي بدت واضحة معرفتها بقوانينها وحنكتها باكتشاف أسرارها ومن ثم تطويعها لمروي يتوق إلى تقنية قادرة على قول لا معقوله الخاص، فهاجر الساردة التي تتماهى مع الكاتبة تسكن بيروت حيث تتطلب منها ابنتها (الممثلة)التي تسكن دمشق الحضور إليها للاعتناء بحفيدها كونها مضطرة للذهاب إلى المغرب في عمل.في الوقت الذي كانت فيه هاجر تكتب رواية وتعد أطروحة عن أبي النواس وأثناء بحثها على النت تتعرف على شاعر اسمه «الحسن ابن هانئ يزودها بما تريد وعبر رسائل شعرية متبادلة بينهما على «الماسنجر» تقع هاجر في الحب…الحب الذي لم تعرفه رغم زواجين كانا فاشلين بما يكفي. على «الماسنجر» تكون هاجر صداقات تلون حياتها الباهتة فغفران صديقتها القاصة الجزائرية تقترب منها ومن عوالمها وكأنهما يعرفان بعضهما منذ زمن هذه العلاقات في هذا العالم الافتراضي جعلت هاجر تفكر بكتابة رواية أخرى رواية بشخصيات حقيقية تتحدث عن عوالمها بشفافية ودون تدخل منها ككاتبة. تتفق هاجر مع الحسن الموجود في العراق ومع غفران المتنقلة بين الجزائر وباريس إبان الزلزال الذي يصيب الجزائر وهاجر التي تقطن بيروت أثناء حرب تموز على كتابة رواية، كل واحد منهم يسرد من موقعه ما يجري في بلاده ضمن تاريخه الشخصي.هكذا تدخل الكاتبة أتون لعبتها الروائية الشهرزادية وتبدأ الحكايا:غفران التي تعيش على حدود الكارثة فقدت بيتها مرات،مرة بسبب الإرهاب وأخرى بسبب الفيضانات وأخرى بسبب الزلزال. الحسن يبدأ من الطفولة التي قضاها مع الحسين وأحمد وعباس ونعمت على ضفاف نهر دجلة ليدخل في تفاصيل كل من أصدقاء طفولته كل على حدة منتهيا بحكايته مستعرضا العراق في زمن الخير مرورا بالحصار وحرب الكويت وانتفاضة الأهوار جنوب العراق التي قمعها صدام بوحشية وصولا إلى احداث نيسان 2003 وهنا تلعب الكاتبة لعبتها المعرفية فهي تسرد على التوازي مع سرد حسن لهذا التاريخ الجزء المخصص عن استباحة العراق من قبل هولاكو العام 1258 وذلك استنادا إلى الجزء الثالث عشر من كتاب الحضارة. أما هاجر فتحكي عن قصف الضاحية الجنوبية في بيروت أثناء حرب تموز مستحضرة الماضي الذي عاشته في بيروت أثناء الحرب الأهلية بما في ذلك حبها الأول يوسف وبطل روايتها الأولى التي لم تستطع إكمالها لأنها لم تزل خائفة من وزر المصير الذي ستخترعه له وربما خائفة من فقدانه حين تنتهي علاقتها به على الورق. كل ذلك يحدث في واقع افتراضي وعبر محادثات ورسائل على الماسنجر بينما تتداخل العلاقات وتضاء نوافذ وتفتح أخرى وتقع غفران في حب الحسن بعد زواج فاشل بامتياز، لكنها تهرب من هذا الحب مع زوجها إلى غزة حيث يعمل لتكتشف زواجه وعائلته الأخرى وأولاده، لذا تترك كل شيء وتعود إلى باريس لتبدأ الحياة من جديد .هذا ما تكتبه إلى هاجر منهية الفصل الخاص به. هاجر تتزوج من الحسن افتراضيا ويتفقان على اللقاء في دمشق.. لكن اللقاء الجسدي كان مختلفا عن العوالم التي خلقها الكلام. أحبطت هاجر وقررت أن تنهي كل شيء يخص علاقتها به بدءا من الرواية إلى الأطروحة وتقاطع العالم الافتراضي، وكل أشخاصه الذين لم يجلبوا سوى الخراب لروحها وتعود إلى دمشق حسب رغبة ابنتها للعناية بحفيدها. هكذا تنتهي الرواية مع أن الكاتبة تذيلها بجملة: «الأحداث لم تنته مادامت هناك قلوب معلقة بين نافذتين». بدت «غواية الماء» وفي انشغالها بضمير الأنا وكأنها تروي حكاية خاصة ضمن خطاب الرواية العام وفي رواية هذه الحكاية حقق الخطاب الروائي استقلاله وتميزه بآليات تبنيه التقني الفني. وهذه الآليات يبدعها زمن الرواية ولغات الشخصيات ومستوياتها المتمايزة وخصوصا أمكنة تواجدهم وعلائق عيشهم ورموز معاناتهم المتمثلة في الـ»أنا «السلطوي الذي يقمعهم ويهمش وجودهم ويتواطأ مع «هو» الخارج وهم يكابدون من أجل عيش عادل أو من أجل تحقيق أحلام لا تعد أن تكون أحلاما يشاركهم فيها كل انسان مدرك لمعنى إنسانيته. *شاعرة وكاتبة سورية