بغداد- العراق اليوم:
يستمرّ رجب طيب أردوغان بنزعته السلطوية في جذب اهتمام المتابعين والمراقبين من مختلف دول العالم. ومن بين هؤلاء ويليام بولتش الباحث في الأمن العالمي والعلاقات الدولية.
باتت إسلاميّة أردوغان المتزايدة – العامل الأساسي الذي ولّد محاولة الإنقلاب - أكثر تشدداً
وكتب بولتش في موقع ذا استراتيجيست، وهو تابع للمعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية، أنّ توسيع صلاحيات الرئيس التركي سيكون له تداعيات على "مستقبل المؤسسات الديمقراطية" في البلاد. صوّت البرلمان على تعديل الصلاحيات في 21 يناير (كانون الثاني) الماضي وسيخضع لاستفتاء في 16 أبريل (نيسان) المقبل. ويضيف أنّ فوز أردوغان بالاستفتاء سيتسبب بمزيد من زعزعة الوضع السياسي الداخلي التركي، فيما ستزداد العزلة الإقليمية للبلاد.
وساهم أردوغان في بناء سلطاته منذ سنوات عديدة. فهو سيطر بشكل محكم على حزب العدالة والتنمية الأمر الذي مكّنه من توجيه السياسات الوطنية. المنافسون المحتملون تمّ تهميشهم، والمثل الأبرز على ذلك هو ما جرى في مايو (أيار) الماضي حين استُبعِد رئيس الوزراء آنذاك أحمد داود أوغلو من منصبه بعدما رفض الإصلاحات الرئاسيّة. ويضيف بولتش أنّ أهمية حزب العدالة والتنمية نفسه باتت متقلّصة بعد الانقلاب الفاشل وسيطرة أردوغان على مزيد من الصلاحيات الاستثنائية.
حتى سنة 2029 إنّ مقترحات تعديل الدستور ستعطي حكم الأمر الواقع الذي يتمسّك به أردوغان مفعولاً رسمياً وشرعيّاً. وقد ينقل ذلك تركيا إلى ما يشبه النظام الأمريكي من حيث الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، "لكن في تركيا-أردوغان، هكذا فصل لن يكون موجوداً". بمجرد إمساكه برئاسة تنفيذية، سيمكّن أردوغان قبضته على الحكم. وبفضل إمكانية بقائه في منصبه حتى سنة 2029 بحسب الدستور، سيسعى الرئيس التركي إلى كسب المزيد من السلطة لإدارة السياسة الداخلية من خلال المراسيم عوضاً عن الاتكال على حزبه لتمرير التشريعات في البرلمان.
منفّذو الانقلاب شنّوا ضربة وقائية في هذا الوقت، سيستمر أردوغان باضطهاد منافسيه في المعارضة السياسية والإدارة والقضاء والجيش والإعلام والمجتمع المدني بحسب رؤية بولتش. لكنّ المزيد من القمع يمكن أن يجلب المتاعب. وينقل الباحث تسريبات صادرة عن مخابرات أوروبية تؤكد ما كان يُشتَبه بحصوله لفترة طويلة: "كان أردوغان يخطط لحملة تطهير في الجيش قبل الانقلاب الفاشل". أمّا "محاولة الإطاحة به كانت هجوماً وقائيّاً منفّذاً بشكل سيئ".
إسلاميّة أردوغان أكثر تشدداً في الأشهر التي تلت المحاولة، أعفي 125 ألف شخص من مهامهم الوظيفية واعتقِل عشرات الآلاف خصوصاً من عناصر الجيش. وفي حال نجاح أردوغان في تحويل السلطة التركية إلى نظام شديد المركزية يتوقع بولتش مزيداً من التطهير. فقد يلجأ معارضوه لشنّ محاولة انقلاب "خوفاً على سلامتهم". ويشير الباحث إلى أنّ أحد الجنرالات الأتراك السابقين (كان قد استبق الانقلاب الفاشل في يوليو 2016) أطلق تحذيراً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من أنّ انقلاباً آخر كان يتم التحضير له. لكنّ الباحث لا يستبعد أن يكون هذا التحذير منسّقاً لشن المزيد من التطهير الداخلي. كذلك الأمر باتت "إسلاميّة أردوغان المتزايدة – العامل الأساسي الذي ولّد محاولة الإنقلاب - أكثر تشدداً".
شعبيّته مرتفعة ... ولكن وأضاف الباحث إلى كلّ ذلك عوامل أخرى للتوتّر الداخلي من بينها الغضب المتصاعد داخل الجيش بسبب عمليات الاعتقال التي تطال عناصره والأوضاع الأمنية المتردية. هذه العوامل، إذا أضيف إليها نجاح الاستفتاء أيضاً "يمكن أن تطلق محاولة انقلاب أخرى". شعبيّة أردوغان هي مرتفعة داخل تركيا الآن، بحسب استطلاعات الرأي، خصوصاً أنّ الهجمات الإرهابية لعبت دوراً في إحكام قبضته على السلطة. لكنّ المشاكل الاقتصاديّة والمالية، بعد ضغط الرئيس التركي على المصرف المركزي، "قد تعيق" مسار أردوغان.
"حامي السنّة في العراق وسوريا"؟ ولا يستبعد بولتش أن يتبنى أردوغان سياسة خارجية أكثر صدامية ليعوّض أي خسارة في شعبيته، قبل الاستفتاء المقرر الشهر المقبل. فقد استخدم هذا التكتيك مع الأكراد قبل الانتخابات المبكرة سنة 2015 والذي أنهى سنتين من الهدنة بين الطرفين. كذلك، قد يلجأ أردوغان إلى إعادة تقديم نفسه على أنّه "حامي السنّة في سوريا والعراق". وسيسعى إلى تصوير نفسه على أنّه رجل المنطقة القوي، ممّا سيثير القلق لدى جيران تركيا خصوصاً أنّ هؤلاء لم ينسوا بعد تاريخ السلطنة العثمانية في ديارهم كما يؤكد الباحث. ويُحتمل أن يعود أردوغان عن كلّ هذه المواقف إذا أمّن حكمه، لكنّ الضرر سيكون قد حلّ أساساً. ولا يستبعَد، على عكس ذلك، أن يتمسّك بخطاباته السابقة خوفاً من تراجع شعبيته.
أمر واحد مؤكّد من جهة أخرى، إذا فشل الاستفتاء قد يتّبع أردوغان سياسة "أكثر تقلّباً" في سعيه لإقامة نظام رئاسي. وقد يشمل ذلك، هجوماً أقسى على خصومه السياسيين وخصوصاً الأكراد، وتوليد أزمات إضافية تصوّره على أنّه الرجل القوي في تركيا الذي "لا غنى عنه". بالنسبة إلى بولتش، هنالك "أمر واحد مؤكّد" وهو قلّة أعداد الذين سيستفيدون من "عطش الرئيس التركي إلى السلطة".