سياسة صناعة الفتنة في العراق .. اجندة خارجية بأدوات محلية

بغداد – العراق اليوم: ( خاص)

بعد أشهر طويلة من الأنسداد السياسي، وحالة العجز في انتاج صيغة مقبولة بين القوى السياسية الفائزة في انتخابات تشرين الأول 2021، يبدو أن هناك من يستثمر هذه المناخات المتأزمة، ويحاول خلق مساحات او توسيع فجوات في المجتمع السياسي العراقي، الغارق في خصومات وتضادات متوارثة وآنية، ولذلك فأن " صناعة" الفتن وبث الأنقسام، وتعميق الاختلاف، وتأصيل القطيعة، يبدو مشروعاً بحد ذاته، وهو في إطار مشروع تقويض البناءات الديمقراطية في البلاد.

ليس بدعاً من القول أن الأنظمة الديمقراطية النيابية هي أنظمة تعاني ضعفاً في حسم القرار، وصعوبة في تأليف الحكومات، لكنها بذات الوقت تتمتع بقوة ذاتية وقوة حمائية كافية لتسييل أي قوة صلدة تريد الفتك بها، أو الانقلاب عليها.

عملياً أنتجت الديمقراطية العراقية على علاتها، أوزان للقوى السياسية مربوطة بشكل وبأخر بأحجام وأوزان اجتماعية، وهذا يعني صعوبة تنفيذ انقلابات علنية، أو تجاوز المعادلة المركزية في تعميد أي تشكيل حكومي بشرعية الدستور، فأي خروج عن مواد هذا الدستور سيعني انقلاباً عنيفاً، يستوجب الرد عليه شعبياً بقوة وبأس شديد.

بمعنى أن العملية السياسية على هذه الهشاشة الظاهرية، هي تمتلك ميكانيزمات ذاتية تدافع عنها من الداخل، وتُصعب اختراقها او ضربها.

لكن الذي يجري الآن من عمليات فبركة، وبث تسجيلات وتزييف للحقائق، أو اقتطاع من سياقات زمنية، هو عملية أخطر من الانقلاب العلني الى الذهاب بتهديد السلم المجتمعي، وتقويض البنية السكانية من خلال التركيز على الاختلافات الناشئة من تباين وجهات النظر في معالجة حال المشكل السياسي، وأيضاً تعمل هذه الجهات على هدم أسوار فاصلة بين خطاب سياسي علني، عقلاني، يقدم المصالح العامة على الخاصة، وأدامج خطاب "تحتاني"، غير متداول أو مجتزء من سياقه، ليصدم الشارع بهذه اللغة.

لسنا في وارد تكذيب او تصديق التسريبات الصوتية، ولسنا في معرض التعليق على ما جاء فيها، لكننا نرى بوضوح أنها عملية معقدة تريد صناعة الفتنة في البلاد، وجر الفرقاء السياسيين الى صراع دموي سيتولى هو اسقاط العملية الديمقراطية، والاطاحة بالنظام السياسي برمته.

وهنا تبرز القاعدة التحقيقية التي تقول " فتش عن المستفيد، اذا ضاع المجرم"، وهنا يجب ان نقول بوضوح تام أن المستفيد من هذا الصراع ان حصل – لا سمح الله- هم بقايا البعث وتلك الأجندة المستفيدة من ذهاب العراق الى المجهول، وهي مجموعة دول وجماعات خارجية لا تريد للعراق ان يستقر، ولا تريد له ان يتابع سيرورته الديمقراطية الناشئة رغم تعثرها المستمر.

نأمل ان تتولى الجهات المعنية الرد على هذه الفتنة بمزيد من الوعي الوطني، ومزيد من التقارب، والمزيد من اليقظة والحذر من هذه السموم التي تريد تسميم الأجواء برمتها، والذهاب بالمركب الى الغرق بجميع ما يحمل.

علق هنا