لم يعد الصراع السياسي في الشرق الأوسط محصورا في إطار مرجعياته الاقليمية، أو حتى في سياق التعبير عن مشكلات داخلية، بل تعدّى هذا الصراع وجوده ليكون صراعا دوليا، له نُذره وعلاماته وضحاياه، وهذا ما جعل هذا الصراع مفتوحا على احتمالات أكثر رعبا وخطورة. ملفات النفط والأمن والصراع العربي الاسرائيلي والعسكرة والحدود، ليست إلّا الوجه المكشوف من هذا الصراع، لكن مُضمَره يظل حاملا للكثير من التعقيدات، والصراعات والحساسيات الأكثر خطورة، لا سيما في التعاطي مع المصالح ومع العلاقات الملتبسة مع الغرب، وفي النظر الى المهيمنات الاقليمية، وفي دعم جماعات العنف والارهاب على حساب وجود الدول وسياداتها الوطنية. لقد شهدت منطقة الشرق الأوسط ومنذ عقود تصعيدا مقصودا في صناعة الأزمات، وفي تحويل العلاقات بين الدول من توصيفها السياسي الى توصيفها الأمني الصراعي، وهو ما كان سببا في وضع منطقة الشرق الاوسط تحت (عين الرقابة الدولية) وفي عسكرة دولها، حدّ أنّ دولة مثل السعودية تحولت الى ثاني أكبر دولة في العالم مستوردة للأسلحة كما ورد في تقرير معهد استوكهولم مؤخرا، فضلا عن قيام دولة صغيرة مثل الامارات العربية بتضخيم ترسانتها العسكرية بما يفوق حاجتها الوطنية للأمن، كما أنّ انخراط بعض الدول في الصراعات الاقليمية أخذ طابعا عدوانيا، ومدعاة للتدخل الخارجي كما هي الأمور في اليمن وسوريا وليبيا..
وهم الثورات العربية!! في حديث مثير للجدل انتقد الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم نائب رئيس دولة الامارات العربية ادارة الولايات المتحدة السابقة عبر احتلالها العراق، وكذلك عبر دعمها لـ (الثورات العربية) وهذا اعتراف صريح بأنّ هذه (الثورات) لم تكن إلّا لعبة مكشوفة ومصنوعة من قبل الولايات المتحدة وبدعم وتمويل اقليمي، لاسيما من قبل تركيا الاردوغانية ودول الخليج!. النتائج الكارثية لما حدث في سوريا واليمن وليبيا، وكذلك التدخل في الشأن العراقي وضع منطقة الشرق الأوسط أمام أُفقٍ غائم، وأمام معطيات صراعية أكثر تعقيدا، كان لها الأثر في صياغة معادلات شوهاء انعكست على السياسة الدولية، وعلى تفخيخ منطقة الشرق الأوسط بذاتها، وعلى تأزيم وقائع الصراع الأهلي بين المجتمعات العربية، وفي صناعة ظاهرة (العنف الطائفي) بوصفه الشفرة السحرية لتخريب الأمن المجتمعي، ولتدمير الدول والمؤسسات. وهم الثورات العربية هو المُعطى المخابراتي الذي اصطنعت أكثر صوره الولايات المتحدة في المنطقة، وبإتجاه تحويل مجرى الصراع من سياقه التاريخي المعروف عبر معادلة العرب واسرائيل، الى سياق يقوم على نظرية (صناعة العدو) وهي المسار الذي تورطت به بعض دول المنطقة، عبر الايهام بـ (عدونة) ايران بوصفها الخيار الاميركي الاسرائيلي للعدو القادم، من خلال تغويل دورها الأمني في المنطقة، أو التهديد بإعادة النظر في الاتفاق النووي معها وفرض المزيد من العقوبات عليها.
ترامب وسياسة الأوهام خيار العنف الاميركي الذي يبشّر به الرئيس الاميركي ترامب لا يعدو أن يكون تعبيرا عن أزمة السياسة الاميركية في المنطقة، وسوء ادارتها للكثير من ملفاتها الامنية والسياسية، وحتى الاقتصادية، وهو مابدا واضحا من خلال العديد من الاجراءات التي اتخذها ترامب وادارته السياسية والأمنية.. فخيارات العنف، والتهديد والاستقواء لم تعد اجراءات رادعة، لاسيما بعد فشل مثل هذا الخيار في حسم الكثير من الملفات، مقابل خلق بيئة سياسية وأمنية دولية تقوم على المنافسة، وعلى مايشبه الحرب الباردة، ولعل الدخول الروسي في الصراع السوري وفي اوكرانيا وفي ادارة ملف الغاز هو الرد الحاسم على هشاشة تلك الخيارات، وعلى تعطيب فكرة خيار القوة التي يحاول الرئيس ترامب الاعلان عنها في معظم تصريحاته ومواقفه. سياسة الأوهام قد تكون توصيفا موضوعيا للموقف الاميركي في منطقة الشرق الأوسط، فهذه المنطقة التي يمرّ عبر خليجها اكثر من 20 بالمئة من النفط العالمي لم تعد تحتمل سياسات الترهيب، والعسكرة وفي تحويل دولها الكبيرة والصغيرة الى معسكرات مُرشحة لحروب دامية، فضلا عن تحويل مجتمعاتها الى قاعدة انثربولوجية لصراعات اهلية وهوياتية مفتوحة على المجهول، وعلى تعطيل أية مديات للتنمية والعمران والسلم المجتمعي، وللتعايش الايجابي بين المكونات الدينية والقومية والطائفية. لعبة الحرب وخيارها هي المسار الذي قد يُخرج الشرق الأوسط من دوره الحقيقي في السياسة الدولية، ويضع دوله أمام رهانات صعبة ومعقدة، ومن الخطورة التعويل عليها وعلى معطياتها في السياسة والاقتصاد والأمن والتعايش.