بغداد- العراق اليوم:
من الشائع أنه عندما تشارك ذكرياتك مع صديق، يمكنك إعادة سرد بعض الأحداث بتفاصيل أكثر بكثير من غيرها، بينما في أوقات أخرى قد تخلط الذكريات.
ولشرح سبب تغير ذاكرتنا بهذه الطريقة، تقول أخصائية علم النفس الإكلينيكي فانيسا فان آست إن الأمر كله يتعلق بالسياق المكاني.
وعندما تحدث التجارب المتتالية في البيئة ذاتها، فإنها تصبح أكثر عمقا في ذاكرتنا. ولكن عندما تحدث تجربة في سياق جديد، فإن ذاكرة هذه التجربة تدفع الذكريات السابقة إلى الخلفية.
وتمكننا ذاكرتنا العرضية من سرد الأشياء التي عشناها شخصيا. على سبيل المثال، عند استرجاع ذكرياتك مع صديق حول مشاهدة فيلم معا في السينما، يمكن للناس مشاركة جميع أنواع التفاصيل المضحكة للأشياء التي حدثت في ذلك المساء. وعندما يفكر الناس في العودة إلى مشاهدة فيلم جعلهم عاطفيين، فقد يتسبب ذلك في بدء نبضات القلب بالتسارع مرة أخرى. وهذا لأننا نسترجع التجارب جسديا أكثر عندما يتم تشغيل ذاكرتنا العاطفية.
ومع ذلك، يمكن أن تتغير الذكريات، وننسى أحيانا تفاصيل معينة، وتبدأ ذاكرتنا في دمج تفاصيل من تجارب أخرى، أو تصبح المشاعر المستثارة لتجربة ما أقوى عندما يتم تشغيل ذاكرتنا عنها بشكل متكرر.
وتُجري عالمة النفس الإكلينيكي فانيسا فان آست أبحاثا تتعلق بالذكريات العرضية والعاطفية وتحت أي ظروف تتغير.
وتوضح فان آست أن أحد النتائج الرئيسية لأبحاثها تفيد بأن البيئة التي يتذكر فيها الأشخاص تجربة ما، لها تأثير كبير على كيفية تذكرهم لها: "كنا نعلم بالفعل أن السياق المكاني يؤثر على استرجاع الذكريات، لكن لم يكن لدينا فهم جيد لما يحدث للذكريات بعد ذلك".
البحث عن الذاكرة في المختبر
تقول فان آست: "يمكن أن تتأثر الذاكرة الشخصية بملايين الأشياء. ومن المستحيل تحديد كل هذه العوامل كباحث، لذلك لن نتمكن أبدا من تحديد ما حدث بالضبط أثناء التجربة".
ولمعالجة هذا الأمر، أجرت فان أست بحثا تجريبيا في مختبر علم النفس حيث عزلت العناصر الأساسية للتجارب، من أجل التلاعب بها واختبار كيفية تذكرها.
واستخدمت مواد مكونة من عناصر مختلفة، مثل الخلفية والصور الأمامية والصوت. وتم عرض أشكال مختلفة من هذه العناصر على المشاركين في أوقات مختلفة أثناء تذكرهم لذاكرة أصلية.
وأظهرت هذه الطريقة الارتباطات التي يصنعها الدماغ ولماذا تتغير ذاكرة التجربة.
وتشرح فان آست: "لأن الطريقة التي تعمل بها الذاكرة مرتبطة جدا. في بعض الأحيان، استخدمنا أيضا صورا مؤلمة، مثل صورة ساق مكسورة مصحوبة بضوضاء متكسرة، لمحاكاة التجارب العاطفية وقياس الاستجابات الجسدية، مثل ارتفاع معدل ضربات القلب".
البيئة أمر بالغ الأهمية لما نتذكره
كانت فان آست مهتمة بشكل خاص بتأثير البيئة على كيفية عمل ذاكرتنا: "عرفنا بالفعل أن البيئة هي أقوى محفز لتذكر الذاكرة. وتحدث كل تجربة في بيئة معينة، وبالتالي فإن البيئة هي مشغل ذاكرة قوي. لكن لم يكن لدينا فهم جيد لما يحدث للذكريات بعد ذلك".
ولمعرفة ذلك، أجرت تجربة حيث رأى المشاركون عددا من الكلمات في سياق معين وكان عليهم الخروج بقصة بناء على هذه الكلمات.
وفي اليوم التالي، تعرض المشاركون لـ "تجارب" متشابهة، لكن الكلمات الأصلية كانت مرتبطة على التوالي بكلمات جديدة.
وأوضحت فان آست: "بشكل حاسم، قدمنا أحيانا كلمات جديدة في نفس السياق كما كان من قبل وأحيانا قدمناها في سياق جديد. وفي اليوم الثالث، تم استخدام اختبار الذاكرة لتحديد إلى أي مدى ما يزال بإمكان المشاركين تذكر الكلمات المرتبطة".
وقالت: "وجدنا أن السياق كان بالغ الأهمية. عندما حدثت تجربتان في نفس السياق، طُبعت كل من الذكريات والارتباطات بينهما بعمق أكبر. ولكن عندما حدثت في سياقات مختلفة، وقع تذكر التجربة الثانية على حساب التجربة الأصلية. كما أن الروابط بينهما وقع تذكرها بشكل سيئ".
وتشرح فان آست الأمر بأنه في حال ذهب أحدهم إلى السينما مع صديق، وفي وقت لاحق، شاهد فيلما آخر مع هذا الصديق في نفس قاعة السينما. وفي اليوم التالي، شارك مع صديقه الذكريات حول زياراته للسينما. فسيجد أن زيارته الأولى والثانية للسينما تعززت في الذاكرة. وسيتذكر الفيلم الذي شاهده وأي المشروبات والوجبات الخفيفة تناولها. لكن إذا شاهد هذا الشخص الفيلم الثاني مع نفس الصديق في سينما مختلفة، لكانت الذاكرة الأصلية تلاشت بشكل كبير، في حين ستُذكر التجربة الجديدة بقوة.
السياقات المختلفة لا تعزز الذكريات
وتستنتج فان آست أنه عندما يتغير السياق المكاني، يتم تشغيل ذاكرتنا للتبديل إلى هذا السياق الجديد. ويبدو أن أدماغتنا تعطي الأولوية للسياق الجديد على حساب الذاكرة الأصلية. وتتعارض هذه النتيجة مع العديد من النظريات التي ترى أن السياقات المختلفة تجعل الذكريات أكثر تميزا وأقوى، وبالتالي تؤدي إلى تقليل التداخل بين الذكريات.
*
اضافة التعليق