بغداد- العراق اليوم: هذه اول انتخابات نيابية تشريعية مبكرة تجري يحضر فيها العالم وتغيب عنها ادوات التأثير والتوتير، وتندفع فيها رغبة الشارع لتغيير سياسي جذري في معادلات القوى السياسية المتحكمة. هذه اول تجربة، لا يمكن ان يطعُن بمخرجاتها من اي باب، فقد اوصدت الحكومة الشبابيك التي يتسلل منها شيطان التشكيك وتتسرب منها مخاوف التزوير، وهذه اول انتخابات بمقاسات عراقية صرفة. اليوم طوى العراق عامين من الاستعدادات اللازمة، وانهى حقبة امتازت بالشد والاستقطاب، بعد ان عبٌر الشارع العراقي بشكل اريحي عن قناعاته، ولم تفلح قوى متحكمة ومتجذرة من صد الرغبة العارمة للتغيير. طبعا، الشواهد كثيرة وعديدة على نجاح التجربة الديمقراطية التي اجريت بالامس، ودليلنا هو ان الخصمين المتناقضين قد فازا سوية على التوالي، ففي الوقت الذي اكتسح التيار الصدري الشارع، فإن لائحة خصمه اللدود نوري المالكي حققت المركز الثاني على التوالي، وهذا يحسب لنزاهة العملية الانتخابية وصدقيتها العالية. ايضا، فإن الدلائل على عدم وجود مطاعن حقيقية في العملية الانتخابية هو عدم وجود تدخلات مسلحة او عنيفة من قبل القوى السياسية التي تمتلك اذرعاً مسلحة وهذا لم يحدث، بدليل أن ننائج تحالف الفتح الذي يضم اغلب الفصائل، قد خرج بنتائج متدنية للغاية. كما ان من الادلة على نزاهة الانتخابات عدم قدرة القوى السياسية المتنفذة التي تمتلك السلطة والمال العام والجاه من استخدامه للتأثير على خيارات الناخبين، فرأينا خسارة مدوية لرؤوس كبيرة وشخصيات ذات ثقل ونفوذ حتى اقليمي، وايضا فإن النتائج الأولية تشير الى خسارة ٨٠٪ من النواب السابقين وخروجهم بخفي حنين!. وايضاً من الادلة على صحة ونزاهة العملية الانتخابية هو صعود قوى شابة ولا تمتلك اي نفوذ، بل ان بعضهم من اوساط شبه معدمة حد ان بعضهم من الذين فازوا لا يملكون بذلة رسمية يرتدونها في المجلس النيابي الجديد. هذه الادلة وغيرها تؤكد حقيقة دامغة مفادها ان التغيير حقيقي وجذري وشامل، وان العملية لامست وجدان وارادة الشعب العراقي لاول نرة منذ عام ٢٠٠٣. كما ان القوى التي فازت كانت كل الاشارات والدلائل تشير الى فوزها كتحالف تقدم الذي يرأسه الحلبوسي الذي عمل في الشارع الأنباري بلا كلل ولا ملل فنال ثقة شارعه السني، وغير حال مدن كانت مهدمة ومخربة كالانبار ، ولذا كافئه الشارع بهذا الكم من الأصوات. كما كافأ المواطن الكردي، الزعيم مسعود البارزاني كقائد قومي يملك تاريخاً وسفراً طويلاً من أجل قضايا شعبه العادلة، فضلاً عن ضعف وتناحر غريمه الاتحاد الوطني الكردستاني وانقسام قياداته، فهذه كلها عوامل صبت باتجاه البارتي الذي حقق رقما نوعيا في هذا الاستحقاق الانتخابي. كما سجلت حركات ناشئة كالجيل الجديد نشاطا ملحوظا مستفيدة من ضعف اليكتي وتأكله الداخلي. هذه الدلائل كلها تشير الى اننا امام متغير جذري شامل، سنرى نتائجه خلال الايام القليلة المقبلة بكل تأكيد.
*
اضافة التعليق