علي كاظم العوادي
في مقال سابق قلنا أن الكويت أنشأت ميناء مبارك لاهداف عدة أهمها هو جعل هذا الميناء اللبنة الاولى لمشروع القناة الجافة التي كانت يجب أن تبدأ من ميناء الفاو الى اوربا عبر طرق برية وسكة قطار أصلها ماسمي حينذاك قطار الشرق السريع او خط سكك حديد (4B) برلين – بوسفور – بغداد – بصرة وهو مشروع ألماني بدأ العمل به فعليا عام 1903 لكن فكرة مده إلى الكويت قد لاقى معارضه شديدة في حينه من بريطانيا وكذلك روسيا وفرنسا خوفاً من التوسع الأستعماري لإلمانيا ضد التوسع البريطاني والفرنسي والروسي.
لقد سعت الكويت من خلال انشاء ميناء مبارك في جزيرة بوبيان على تأكيد حدودها الدولية مع العراق والتي أقرها مجلس الامن الدولي بشكل جائر تحت طائلة الفصل السابع وبموجب القرار 833 لسنة 1993 والذي أعترف العراق به سنة 1994 لان الكويت ليست بحاجة الى ميناء يقع الى الشمال الشرقي من أراضيها ولها شواطئ بحرية في الجنوب والشرق تمتد الى حوالي 500 كم وليست بحاجة الى هذه السعة التصميمية التي سوف تسبب بخنق خور عبد الله المنفذ الضيق المؤدي الى ميناء ام قصر العراقي.
بعد 2003 عاد التفكير بأهمية القناة الجافة لربط الشرق بأوربا كبديل استراتيجي عن المرور بالبحر الاحمر وقناة السويس ومنه الى موانئ البحر الابيض المتوسط وفكرت الكويت بانشاء ميناء مبارك على خور عبد الله وأخذت المبادرة من العراق الذي تأخر كثيرا في انشاء ميناء الفاو.
ان ميناء الفاو فيما لو أنشئ سوف يجنب العراق الاعتماد الكامل على موانئه الاخرى على شط العرب أو ميناء أم قصر الواقع في أعلى قناة خور عبد الله والذي كان عراقيا بالكامل قبل أن تقوم الكويت بأنشاء ميناء مبارك على هذا الخور وأجبرت بالتالي حكام العراق على توقيع اتفاقية تنظيم الملاحظة فيه عام 2013 والتي أصبحت اتفاقية دولية بعد مصادقة البرلمان العراقي عليها وايداعها لدى الامم المتحدة.
لقد أثار موضوع هذه الاتفاقية لغطا لا طائل منه أثارته الان جهات معروفة بعدائها لحكومة رئيس الوزراء العبادي ولأسباب لاتخفى على المتابعين كما اتهمت جهات اعلامية وسياسية كويتية امارة دبي بالوقوف وراء هذه الحملة المعادية لكون انشاء ميناء مبارك يؤثر بشكل كبير على مكانة موانئ دبي ومن المؤسف انساق عدد من نواب البرلمان الكويتي الى هذه الضجة وصاروا يهددون العراق بالاحتلال العسكري وهذا أمر يثير الضحك ويدلل على ضحالة وجهل هؤلاء النواب في معرفة أبسط قواعد تقدير القوة.
ان الغزو الغادر الذي قام به صدام في الثاني من آب عام 1990 والذي سبقه استفزازات كويتية غير مسؤولة تتعلق بالتجاوز على أراض عراقية واستغلال حقول النفط بطريقة غير مشروعة اضافة الى تجاوزات مست كرامة العراقيين قد ترك آثارا في نفوس شعبي البلدين الجارين اللذين يرتبطان بعلاقات القربى والمصاهرة اضافة الى الانتماء للعروبة والاسلام كما ان الاجراءات القاسية بحق العراق والتي اتخذها مجلس الامن بعد الغزو ووفق مواد الفصل السابع ومنها الحصار الاقتصادي والترسيم الجائر للحدود بين البلدين من دون مشاركة العراق في أعمال لجان الترسيم ثم قيام الكويت باحتضان ورعاية الغزو الامريكي للعراق عام 2003 قد تسببت في ظهور مشاعر عدائية لدى الفرد العراقي تجاه دولة الكويت وصار من الممكن تهييج هذه المشاعر بكل سهولة كما حصل في الايام الاخيرة.
لقد شهدت اوربا معارك طاحنة بين دولها عل مدى عشرات من السنين وخلفت الملايين من الضحايا حتى وجدت اوربا نفسها مضطرة لاحلال السلام والوئام بينها والتعاون والتكامل الاقتصادي الذي بدأ بالسوق الاوربية المشتركة وانتهى الى صيغة الاتحاد الاوربي الان وعلى هذا القياس فان المشاكل القائمة الان بين البلدين يمكن حلها بالحوار المتكافئ الذي يبدأ من الاعتراف أولا وبشكل لارجعة فيه بسيادة الدولتين واستقلالهما الناجز وسلامة اراضيهما دون التحجج باوهام أو ادعاءات فارغة بتبعية الكويت للعراق والتي تسببت في خلق شعور لاأساس له لدى الكثير نتيجة أقاويل تبطلها حقائق التاريخ والجغرافية كما ان تحجج الكويت بقرارات مجلس الامن في موضوع ترسيم الحدود الذي تم فيها التجاوز على اراض عراقية ليس أمرا مقبولا سيما وأن هذه القرارت كانت جائرة ومنحازة ومخالفة لذات الحقائق.
حبذا لو بادرت الكويت وقبلت بتشكيل لجان فنية مشتركة تعرض أعمالها على الرأي العام بدلا من الركون الى منطق القوة والضعف والذي لا يمكن أن يستمر طويلا خاصة أن معطيات وعناصر القوة الذاتية للبلدين غير متكافئة على الاطلاق.
وبعد ذلك يمكن لحكومتي البلدين تفعيل مشروع القناة الجافة التي تعتمد على الموانئ العراقية والكويتية بشكل متكافئ ودعوة تركيا وألمانيا للدخول في معاهدة رباعية تتضمن انشاء البنى التحتية اللازمة للقناة عن طريق الاستثمار وتضمين ذلك انشاء الطرق الجديدة وخطوط السكك والمحطات مع مناطق الاستراحة والخدمات كذلك عقد اتفاقيات لانشاء شركات مشتركة لادارة وتشغيل القناة ودعم القطاع الخاص في هذا المجال بالاستفادة من الخبرات الاوربية.
كما يمكن ضم دول اخرى من مجلس التعاون وخصوصا تلك التي قد تتضرر نتيجة هذا المشروع للانضمام الى هذه الاتفاقيات من أجل أن يكتسب القبول والتشجيع والمساهمة برؤوس الاموال والامكانيات التي تمتلكها هذه الدول.
ان الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لتفعيل القناة ستكون هائلة للبلدين والبلدان الاخرى خاصة ونحن نشهد تراجعا سوف يستمر في الايرادات النفطية كما ان للمشروع أبعادا سياسية وأمنية ايجابية حيث سيكون للبلدان المشتركة ولسائر الدول المستفيدة مصلحة في اشاعة الامن والاستقرار في العراق والكويت.
من الملامح الايجابية للتعاون بين البلدين رغم الزوبعة القائمة هو الاتفاق الذي ابرمته وزارة النفط لتصدير الغاز من العراق الى دولة الكويت بعدما أصبح العراق من الدول المصدرة للغاز ولأول مرة في تاريخه وهذا مؤشر على الرغبة في تحقيق التعاون الاقتصادي بينهما.
ان التكامل الاقتصادي بين البلدين والعمل الديبلوماسي فيما بخص الحدود المشتركة يؤمن حاضرا طيبا ومستقبلا مشرقا للعلاقة بين الدولتين الشقيقتين ويساعد على معالجة اثار الماضي وما خلفه غزو صدام عام 1990 وماتبعه من عقوبات بحق العراقيين او ما خلفه الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 وسوف يعيد صياغة العلاقة وفق مصالح مشتركة طويلة الامد.