بغداد- العراق اليوم: ليست ردة فعل آنية، وان كانت تستحق ذلك، لكنها تحرك مدروس بعناية فائقة، نعني به تلك الجولة الحازمة التي نفذها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الى كربلاء المقدسة، حيث من هناك اعلن بيان الحزم والقوة في استعادة النظام ودفع الضرر عن هيبة الدولة، ومعالجة اختلالات العمل الحكومي الذي باتت الخروقات المزمنة داخله، تسمح للخارج بالتغول عليه، والاعتداء على هيبته. الكاظمي مضى اليوم الى كربلاء، لا ليقول للقاتل انت هنا في قبضة القانون، ولا ليمسح على رأس ايتام شهيدنا عبير الخفاجي، مع عظمة هذا الفعل فحسب، إنما جاء الى المدينة المقدسة، في اللحظة الفاجعة، ليعلن مشروع الدولة الحازمة، الدولة الواثقة من قوتها، الدولة التي تنتفض في كل ملمة تصاب بها، ومهما اضعفت او حاول المحاولون اضعافها فأنها ستبقى الطرف الأقوى في المعادلة، واللاعب الأكثر تاثيرا في حياة المجتمع، مهما بُنيت مراكز قوى ( تجاوزبة كانت أم مليشياوية، أم ارهابية، أم فاسدة، متواطئة)، كل هذه المراكز لا تنافس الدولة، ولا تستطيع مواجهتها، لأنها بصراحة لا قرار لها، ولا أسس لبنائها الهش، وهي مجرد هوامش طفيلية تنمو في اقبية مظلمة، وتختار اللحظات الاكثر رخاوة، لتعلن عن نفسها ومشروعها التدميري. نعم، قالها الكاظمي بأسى ووجع حين قابل قاتل الشهيد عبير الخفاجي، واعلنها بوضوح، ان فعلته هذه كانت طعنة مضافة الى طعنات الجماعات الفاسدة والخبيثة، وما كان لفعلته هذه ان تكون لولا ما أسس في الأمس القريب، حين شجع البعض هذه الافات على النمو والدخول في اطوار التشرنق، وبناء مافياتها النائمة مغطاة بشعار حقوق الفقراء، ومظلومية الجماعات، وقصور الدولة ومؤسساتها. نعم، قال الكاظمي كل هذا وكان مدركاً ومشخصاً جداً، لعمق هذا الفعل الذي لم يكن مجرد لحظة انفعال مجنونة وجبانة، بل كانت تمتد لتأسيسات خاطئة سابقة، استثمرت موارد الدولة، وعرقلت تنفيذ القوانين، واجهزت على هيبة الدولة، بتواطئها المفضوح، فكانت النتيجة ان يقتل موظف كبير كفوء على يد سارق جبان كهذا الذي ارتكب الجريمة النكراء علناً. الكاظمي قالها، في رسالة واضحة، انه ليس من اخلاقي ولا واجبي الانتقام، قدر ما تنحصر مهمتي في انفاذ القانون، وتحقيق العدالة والدفاع عن حقوق المجتمع، وهذا سيكون من خلال اطلاق حملة وطنية واسعة لرفع التجاوزات على املاك الدولة وحقوق الناس، وان لا استثناء ولا غض نظر عن احد مهما كان غطاؤه السياسي او الحزبي او القبلي، بل انها عملية متكاملة، ليست في ملف الاراضي فحسب، بل ستكون اللحظة المناسبة لرفع كل تجاوز سيء على الدولة، أمنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعياً، وهذا الامر طال انتظاره وبدأ صبر المواطن ينفد. للأمانة والموضوعية فأن الرجل كان قد بدأ قبل حملته هذه، وقبل حتى حادثة القتل، بوضع حلول عاجلة وصريحة لمشكلة العشوائيات السكنية التي تشكل الخزان البشري الاكثر خطورة على الدولة والمجتمع، وبدأ بمشروع داري السكني الذي يهدف بالدرجة الأساس لبناء وحدات سكنية للطبقات الهشة، وانهاء معاناتها الطويلة، وانهاء ملف توظيفها السياسي والانتخابي الذي حول الملف الأنساني الى لعبة قاتلة، تغتال المجتمع والقانون كل يوم، وكل يوم يفقد العراق جزءا من الأمل في تجاوز كبوته. ايضاً، فأن الكاظمي يريد ان يتزامن مشروع رفع التجاوز عن الشوارع ورفع المشيدات ذات الطابع التجاري او الربحي مع بناء اسواق حديثة ومتاجر مناسبة لتكون مصدر رزق حلال للباحثين عن لقمة عيش كريمة، لا ان تغمس بالحرام او التجاوز على كرامة وحقوق الإنسان. من الرسائل المهمة التي حققتها الزيارة، انها أكدت حضور الدولة في كل مفصل وكل أزمة، وانها لن تتخلى عن دورها الطبيعي مهما كانت الظروف.
*
اضافة التعليق