بغداد- العراق اليوم:
فالح حسون الدراجي
افتتاحية جريدة الحقيقة
حين كانت مقولة (فلسطين عربية) شعاراً يرفعه الزعماء والقادة وأغلب السياسيين العرب من المحيط الى الخليج، كان المواطن الفلسطيني يدفع ثمن هذا الشعار من دمه، وقوته، ومن مستقبل أبنائه، والمصيبة أن المواطن الفلسطيني البريء لم يكتب هذا الشعار، ولم يرفعه، بل لم يرده أصلاً، في حين كان الرؤساء العرب يبيعون هذا الشعار في سوق النخاسة أو السياسة العربية-لا فرق -ويقبضون ثمنه بأشكال مختلفة، منها مكسب البقاء على كرسي السلطة لعقود عديدة بداعي (تحرير فلسطين)، ومنها ايضاً كسب شعبية واسعة، ودعم اعلامي عربي له ولسلطته (الداعمة لتحرير الأرض السليبة)، لما لفلسطين وقضية فلسطين من تأثير نفسي على المواطن العربي، ناهيك من المكاسب الجمّة الأخرى التي ينالها الزعماء العرب ( الساعون لتحرير فلسطين من النهر الى البحر ) ! فكانت نتيجة النضال العربي (الرئاسي) تجويع وخنق المواطن الفلسطيني المتشبث بدياره وأرضه، وهدم الاف المساكن الفلسطينية وجرفها، يقابل ذلك بناء المزيد من المستوطنات اليهودية في الأرض الفلسطينية المحتلة، ما يعني تشريد المزيد من الفلسطينيين ليس في داخل فلسطين فحسب، إنما في البلدان العربية ودول العالم أيضاً. وثمة (مكاسب) أخرى تحققت للمواطن الفلسطيني بفضل رفع الزعماء لشعار فلسطين عربية في (بازار العروبة) تمثل بالإقتتال الفلسطيني -الفلسطيني الدامي، الذي وصل حد إلغاء الآخر، مستخدمين فيما بينهم أثقل الأسلحة وافتكها وأقذرها، والتي لم يستخدمها هؤلاء المتقاتلون الفلسطينيون ضد العدو الصهيوني، إنما استخدمت ضد بعضهم فقط، وقد تجلى ذلك الفتك، وتلك القذارة في المعارك الرهيبة التي جرت في غزة وبعض الضفة الغربية بين فتح وحماس العام 2007، وفي حرب مخيمات لبنان بصفحاتها الأولى، والثانية التي جرت في شاتيلا وبرج البراجنة بين قوات أحمد جبريل ( القيادة العامة)، وجماعة ياسر عرفات (فتح) ، وإمعاناً في الإهانة، قام جبريل بعد المعركة بالتقاط الصور التذكارية وسط جثث (رفاقه) في حركة فتح. وفي سوريا جرى أيضاً تقاتل عنيف بين الفلسطينيين في مخيم اليرموك، راح ضحيته الكثير من القتلى والجرحى .. وفي كل ذلك، كان المواطن الفلسطيني وحده الضحية وليس أحد غيره، سواء أكان هذا الفلسطيني المسكين مقيماً في غزة أو الضفة الغربية او بيروت أو دمشق أو عمان او في غير ذلك ! وحين سقط جميع الزعماء العرب، وسقطت معهم الأقنعة، وانكشف المستور، سقط شعار (فلسطين عربية) أيضاً، وبات المواطن الفلسطيني يواجه عدوه لوحده، بلا شعارات ولا بازار يباع فيه رأسه بسعر شعاراتي بخس. ولم يتسع زمان الفراغ طويلاً، إذ سرعان ما استغلت الجمهورية الاسلامية الايرانية هذا الفراغ، ودخلت على الخط بسرعة فائقة، بعد ان وجدت في حركة حماس ملاذاً امناً، وعاملاً مساعداً، فكانت المنفعة متبادلة في علاقة ايران الاسلامية بحركة حماس الاسلامية، رغم الاختلاف المذهبي بينهما! وكان من نتائج هذه العلاقة، أن حصلت حركة حماس على دعم مالي وعسكري ومعنوي وسياسي كبير من ايران، وللحق فقد تغيرت المعادلة بين غزة وسلطة الضفة الغربية، وغزة والعدو الاسرائيلي، وباتت حماس بفضل علاقتها مع ايران وحزب الله هي الأقوى والأشد تسليحاً ونفوذاً من ذي قبل. وتحولت( فلسطين عربية الى (فلسطين اسلامية، ايرانية) ! لكن مشكلة المواطن الفلسطيني بقيت على حالها، ولم تتغير أحواله حين تغير الشعار من (فلسطين عربية) الى (فلسطين اسلامية، إيرانية)! وإذا كانت القوة التسليحية والصاروخية الايرانية المقدمة لغزة قد نفعت قادة حماس كثيراً، فإنها لم تنفع المواطن الفلسطيني البسيط قط، ولم توفر له تأميناً وضماناً على حياته وحياة اطفاله، كما لم تجلب له رغيف خبز لقوت اليوم أو قوت غد، بل على العكس من ذلك، فقد أخافت كميات الصواريخ التي قدمتها ايران لغزة، المواطن الفلسطيني، بعد ان وجد ان معنويات بل وغرور قادة حماس قد ارتفعت درجاته بعد هذا الدعم الايراني، مما جعل هذه الصواريخ عامل قلق وخوف وضغط على المواطن الغزاوي بشكل خاص والفلسطيني بشكل عام، خشية ان يندفع قادة حماس بصواريخهم الايرانية نحو المواقع الاسرائيلية، وتكون ردة فعل الصهاينة موجعة للمواطن الفلسطيني، وقد تحدث الكارثة بعد اطلاق تلك الصواريخ .. وهذا ما حدث فعلاً ! فقد جرى ما جرى خلال الأيام الماضية بين حماس والصهاينة، واستخدمت حماس الاف الصواريخ ( الايرانية) ضد المواقع الاسرائيلية، فقتلت عدداً من الاسرائيليين - يقال 8 يهود - فكان رد الحكومة الصهيونية موجعاً بالفعل، اكثر من 200 شهيد فلسطيني، والاف الجرحى، وإزالة مبانٍ ومؤسسات ووزارات ومدارس وممتلكات كثيرة جداً، والنتيجة ذاتها: خسارة المواطن الفلسطيني البسيط وليس غيره .. وقبل أن اختم المقال وددت ان اطرح سؤالاً على ملايين المواطنين العرب: لماذا كنتم تؤيدون وتصفقون لصواريخ صدام (الفاشوشية) وتهللون وتكبرون لها، حين اطلقت على اسرائيل، رغم انها لم تقتل كلباً اسرائيلياً واحداً وليس جندياً، أو مدنياً في اسرائيل، بينما وقفتم موقفاً سلبياً جداً من الصواريخ الايرانية التي تطلقها حماس هذه الأيام ضد العصابات الاسرائيلية في تل ابيب، مع أنها قتلت عدداً من الاسرائيليين، وأدخلت الرعب في قلوبهم، ولم هذا التفريق بين صواريخ صدام وصواريخ خامنئي، رغم ان ايران تدعم فلسطين وهي دولة ليست عربية، بينما هناك دول عربية وقفت مع اسرائيل ضد اطفال فلسطين، علماً أني ضد جميع الصواريخ - اكرر جميع الصواريخ - التي تطلق على المواطنين المدنيين القابعين في بيوتهم أو ملاجئهم، سواء كانوا في غزة، أو في ساحل العاج ! وختاماً أقول: أنا ضد شعار فلسطين عربية، وضد فلسطين ايرانية، وضد فلسطين امريكية أو روسية، لأنها شعارات سلطوية دفع ويدفع ثمنها المواطن الفلسطيني لأكثر من سبعة عقود .. أما إذا سألتم عن الشعار الذي أريده للشعب الفلسطيني، فهو شعار :( فلسطين فلسطينية) .. على اعناد الصهيونية ! تحيةً للشعب الفلسطيني الصابر والصامد بوجه الطغاة .. (كل الطغاة) ..
*
اضافة التعليق