بغداد- العراق اليوم:
فالح حسون الدراجي
افتتاحية جريدة الحقيقة ميسان، ليست محافظة فحسب، و(العمارة) ليست عاصمة ميسان فحسب أيضاً، إنما هما كنز الجنوب المحفوظ لمستقبل الأجيال العراقية.. وذخيرة العراقيين لأيام العوز، وكنز الحياة بكل تنوعاتها، (وصرَّة) الموازنات المالية الأمينة التي لن تتأثر بارتفاع أسعار النفط أو انخفاضها بعد ألف عام، وهما بيدر العيش ( ورغيف الخبز) الذي لن ينتهي مهما استطالت السنين، وجاعت الأزمان، وقحلت الأكوان .. ميسان، بناء السومريين المقدس حضارياً، والعمارة هي (عمارة) الجمال الفني – الشعري والغنائي- الشاهقة، وقصر الإبداع الإنساني والقيمي العالي، وهما يشكلان نهراً واحداً يفيض بالطيبة والنقاء والعذوبة الصافية، إذ يكفي أن يقول لك: (أنا عماري) حتى تثق به وبنقائه وطيبته وصدقه في الحال.. ميسان والعمارة.. ضمانة المستقبل، وحسابنا الجاريِ في بنك التاريخ والجغرافية والطبيعة، وهو الحساب الوحيد الذي يستحيل إيقافه، أو غلقه، أو تصفيره في يوم، أو زمن ما .. وهل يتوقف حساب مرتبط بشرايين الحياة ارتباطاً عضوياً، ومتجذر في أبدية الوجود حتى اللا نهاية ؟ وميسان ستظهر باسمة، كريمة، مشرقة، غنية، ثرية بالعطاء والخير والبركة، حين يمضي الزمن نحو الخواء والجفاف والنفاد، وحين تنضب موارد المدن الأخرى، وتجف العيون المدفونة تحت أراضيها، سواء أكانت عيون نفط، أو ماء، أو غيرهما.. هنا، ستمد ميسان مائدتها الكونية العامرة، ليأكل منها العراقيون بلا استثناء ويشبع منها الأقوام جميعاً. ورغم أن (ميسان العراق) بكل ما فيها من مدن وديعة، وأهوار مدهشة، وأسماك وخضرة ساحرة، ونخيل ونفط وشعر وغناء وشجاعة وطيبة، مهملة اليوم للأسف، وإهمالها ليس وليد اليوم فقط، إنما هو إهمال تاريخي ممتد لقرون .. فقد أهملها الحكام الطغاة لأسباب عديدة، وأهملها الحكام (المناصرون) لأسباب مزاجية وكيفية، وغير ذلك من الأسباب التي لا أعرفها.. أقول رغم الإهمال القصدي والبريء، فهي اليوم وغداً زاهرة وزاخرة وجميلة، بل وفاتنة.. وهل ثمة من يجادلك في جمال ميسان وروعة أهل ميسان وسحر طبيعة ميسان؟ أمس، التقيت بواحد من كبار فناني العمارة، بل وكبار فناني العراق عموماً، وكان اللقاء في بيت شخصية وطنية نضالية كبيرة، وقد اكتمل اللقاء وسهرته وسحره بالغناء والشعر، وهنا همس أحد الأخوان المدعوين، في أذني قائلاً: - الكاظمي ليش ما يزور العمارة؟ - ثم أكمل دون أن ينتظر جوابي، قائلاً: - الكاظمي راح للبصرة، وراح للناصرية، وراح لمحافظات عديدة.. ليش مايروح للعمارة ويزورها ويشوفها؟ - قلت له: وماذا ستحصل العمارة لو زارها الكاظمي مثلاً؟ - قال: ستحصل على الكثير، انظر الى المشاريع التي وضع لها حجر الأساس في البصرة، وانظر كيف تحولت هذه المدينة الى ورشة عمل منذ أن وطأت أقدام الرئيس الكاظمي فيها هذا اليوم، ولا تنس الناصرية التي عالج الكاظمي أغلب مشاكلها حين زارها.. وانظر لمحافظة .... - قاطعته، وقلت: اترك الحديث عن المدن التي استفادت من زيارات الكاظمي، وقل لي: ماذا تريد العمارة من الكاظمي؟ - فقال دون تردد: تريد العمارة أن تتحرر من قيودها أيضاً، وتمارس حقها السومري الحضاري، فتطلق (موالها المحمداوي) من المشَرّح حتى هور( الصحين)! - فالغناء الحر هوية الأحرار، وعنوان السعداء، وقديماً قالوا: إذا سعدت النفوس .. أطربت وغنت .. - للعمارة وأهل ميسان، دَينٌ في أعناق العراقيين جميعاً .. ويقيناً أنكم تعرفون هذا الدَين !.
*
اضافة التعليق