سالم مشكور
النائب مشعان الجبوري طرح، في برنامج الزميل أحمد ملّا طلال مؤخرا، دعوة الى تسوية سياسية مع حملة السلاح ضد الدولة بجميع مسمياتهم.
يشمل المشروع أيضا إطلاق سراح المعتقلين وعلى رأسهم وزير الدفاع الأسبق سلطان هاشم.
يقول الجبوري ان لا وقف للقتل والتفجيرات الا بواسطة هكذا تسوية.
هذه الدعوة تختلف عن مشروع التسوية المطروح حالياً والذي يقول واضعوه إنه يستثني الملطخة أيديهم بدماء العراقيين.
استثناء يحرّك تساؤلات عن جدوى التسوية مع غير هؤلاء، وعن مصير عشرات، وربما مئات آلاف المتورطين في القتل أو محاربة الدولة ضمن المجموعات المسلحة منذ ٢٠٠٣ وحتى الآن؟ مشروع مشعان الجبوري يخص هؤلاء الملطخة أيديهم تحديداً ويقوم - كما وضّح - على نظرية أن لجوء هؤلاء الى السلاح انما كان نتيجة سياسات خاطئة انتهجتها الطبقة السياسية الحاكمة.
هذه الدعوة، التي لم تتحول الى مشروع بعد، تبدو أكثر واقعية وصراحة من باقي المشاريع التي تقارب – نظرياً – أساس المشكلة ولكن على استحياء، لكنها مارست الامر عملياً ولم تحصل على النتيجة المرجوة.
نتذكر جميعا كيف أن مشاريع المصالحة السابقة توجهت بالفعل نحو المجموعات المسلحة، وكيف كان الإعلان يتم يومياً عن القاء عدد من تلك التنظيمات المسلحة السلاح وانضمامها الى مشروع المصالحة.
لكن سرعان ما تبين أن الامر لم يكن أكثر من خدعة: يعلنون القاء السلاح فيستلمون أموالاً ليعودوا الى الظهور لاحقاً في عنوان جديد ويمارسوا ذات النشاطات الاجرامية.
يستند النائب مشعان الجبوري في دعوته، الى تجربتين في التسوية مع حملة السلاح، الاولى: تجربة إقليم كردستان مع “الجحوش” الذين حملوا السلاح ضد قومهم خدمة للنظام السابق، أما الثانية فهي ما يجري حاليا في سوريا من بوادر تسوية مع المسلحين ما زالت في مرحلتها الاولى ولم تتضح بعد فرص نجاحها.
في كلا التجربتين تقوم السلطة القائمة بإصدار عفو عن المسلحين المحاربين للدولة، مقابل القائهم السلاح وانخراطهم في مشروع الدولة، أو ما يسمى في الادبيات السياسية: العودة الى حضن الوطن.
في إقليم كردستان وقّع المشمولون بالعفو على وثيقة الاعتراف، والتعهد بعدم العودة الى السلاح والّا فان عقوبتهم ستكون قاسية.
في سوريا أعلن الرئيس السوري مؤخرا ان من يلقي السلاح سيكون آمناً ومن يريد الخروج الى حيث يشعر بالأمان ستقدم له التسهيلات.
لكن تفاصيل هذا الامر لم تتضح بعد ولا يمكن الحكم على نتائجها الآن.
عندما يكون الامر عفواً من الحكومة، فان المارقين يعودون الى الوضع الطبيعي دون محاسبة، شرط عدم عودتهم الى ممارسة اجرامهم.
هذا يختلف عن التسوية، التي تقتضي تقديم تنازلات وامتيازات للمارقين، وتوفر لهم فرصة فرض الشروط التي يريدونها، بما فيها تلك التي تحولهم من خارجين عن القانون وقتلة، الى أصحاب امتيازات وحصص في الحكم. وفي ذلك ظلم كبير للضحايا وعوائلهم، وتوفير أرضية انتقام لمن يرى ان القوى السياسية باعت دم أبيه أو أخيه.
يصبح الامر أكثر تعقيداً عندما نكون أمام حالة حملة السلاح ضد الدولة وقتلة الشعب منذ 2003.
هؤلاء لم يصدر منهم يوماً اعتراف بخطأ أو اعتذار عما بدر منهم لكي يكون ضمانة لعدم عودتهم الى نهجهم السابق.
ولا يمكن – بأي شكل من الاشكال – تبرير اجرامهم بأنهم ضحايا سياسات خاطئة وتهميش، كما يقول النائب الجبوري. نحتاج الى برنامج دقيق ومدروس، للمنخرطين في الإرهاب حاليا، لمنع عودتهم أو أبنائهم، أعضاءً في مسميات إرهابية جديدة مستقبلاً. لكن ذلك يحتاج الى ضمان نوايا سليمة وحقيقية من جانب هؤلاء.