شاعر مسلم، وملحن ومطرب صابئي، ومخرج مسيحي، ينتجون أغنية لميلاد الحزب الشيوعي العراقي .. حزب جميع (الأطياف العراقية) ..

بغداد- العراق اليوم:



حسن الشطري

يرى أحد الباحثين في علم الاجتماع، أن عاملين ساهما في بناء الهوية الوطنية العراقية، وحين ضعف تأثيرهما أو  تم تغييبهما بسبب ظروف تاريخية قاهرة،  حدث نكوص في البلاد، وهو ما نعيشه اليوم، وما نمر به الان من تدني حضاري وتفكك، وتشظي اجتماعي مريع.

لذلك يرى الباحث، أن "الأغنية العراقية كانت التمثل الرمزي والمعنوي، والمُشترك الثقافي الأهم في بناء ذات وطنية جمالية عراقية، وتشكيل وعي جمعي يسهم في تطوير الذائقة الشعبية وتطويرها، لذا كانت الأغنية العراقية المعبر الأساس عن أحساس الأمة وتطلعها ورغبتها بالانعتاق من  قيود التخلف والجهل والأمية".

ويرى أيضًا، أن " الحزب الشيوعي العراقي، كان التمثل السياسي الأخر الذي قاد الى تطوير الهوية الوطنية وبنائها بشكل جماعي بعيدًا عن الهويات الفرعية أو الفئوية دون أن يلغيها، بل ساعم في صهرها في بوتقة التنوع المفضي الى بناء ذات وشخصية جماعية لمجتمع متعدد، قاد الى أن يشكل الحزب الشيوعي أول ظاهرة سياسية في البلاد لا يمكن تصنيفها بأنها قومية أو سياسية أو فئوية أو دينية، بل كان الحزب الشيوعي منارًا للهوية العراقية الموحدة، حيث يقف المسيحي والمسلم، والشيعي والسني، والكردي والعربي، والايزيدي والصابئي والتركماني والشبكي وغيرهم من ابناء مكونات الأمة العراقية في صف واحد، وتحت راية موحدة هدفها تحرير الأنسان، ودحض الأباطيل وبناء مستقبل واعد ومشترك للجميع".

لذا يمكن القول بشكل جازم  أن الحزب الشيوعي العراقي، كان المنجم الوحيد للثقافة في العراق الناهض والحديث، ومن مدرسته الفريدة تخرجت اجيال المثقفين والفنانين والادباء والكُتاب وقادة الرأي والفكر.

من الحزب بدأ الشعراء، ومن فضائه المحتفي بكل هذا التنوع، اجاد المطربون الذين وضعوا أسس الأغنية الوطنية والعاطفية والجمالية بكل ما مثلته حداثة النص الشعري وما حملته من قيم جمالية.

هذا العام يعيد عنوان الحزب الشيوعي العراقي في ذكرى تأسيسه السابعة والثمانين، هذه المأثرة عبر انتاج فني غنائي مشترك، يجمع هذا الطيف الملون الجميل، ومن نخبة من محبيه وكوادره المخلصة، ليكتبوا نصاً وجدانياً مليئاً بالعاطفة والإخلاص والرقي في التعامل مع (حزبهم) بوصفه مدرسة أخلاقية، نضالية وطنية تستحق أن لا يتركها المرء وهو في أشد حالاته آلمًا ووجعاً.

فهذا الشاعر الغنائي الكبير، فالح حسون الدراجي، المنحدر  من جنوب الله الوديع (العمارة / ناحية كميت)، يلتقي مع الملحن والمطرب المبدع، عدنان السبتي، الصابئي المندائي العراقي المقيم في المانيا، والذي يصوغ بمهارة صانع الذهب، كلمات الدراجي التي أتت هذا العالم، مختلفة، فقد طبعت أوجاع العالم، وتجربته الشخصية مع الجائحة، ومخاوفه من شراسة الوباء الفتاك، وحطت بملامحها على نصه الشفيف، ليكتب من بين فكي الموت على ما يبدو، رائعة من روائعه، وكأنه يقول أن: أذار الميلاد اوقظ فيه الرغبة بالخروج من عتمة الألم، وأعاد فيه الحنين فتياً يافعاً في صفوف هذا الحزب الطليعي التقدمي.

يختار الدراجي لغة الأغنية بعناية، وهو يكشف عن مخاوفه خشية أن لا ينجح في الإفلات من يد القدر الصارمة، لا خوفاً على نفسه، بل خوفاً ان لا يكتب أحد سواه اغنية الحزب التي اعتاد الدراجي كتابتها منذ عقود، فيبقى الحزب حزينًا في ذكرى ميلاده !!.

فأي وفاء هذا الذي يختزنه الشاعر تجاه عقيدة سياسية، قد يبدو الوفاء لها والاخلاص بهذا العمق غريباً في عالم أصبحت سمته السطحية وانحدار القيم الاخلاقية الى مستويات مؤسفة.

تقول كلمات الأغنية التي جاءت معنونة ( خفت أموت ) :

يا شهر أذار .. يا عيد الهنا

خفت أموت .. وما أعيد بيك أنا

خفت أروح وما أودعك

ويا هو يشعل بيده شمعك؟

ويكتب أغنية الحزب.. هاي السنة؟

وأنا بيد الموت .. مر بأّذني كلام

گلي أنهض مو الك هذا المنام

گوم اكتب عنوتك

خاف تطول غيبتك

وبغيابك باهت وفاهي الغنه

ياشهر أّذار ياعيد الهنا

**

مو كلام الي سمعته مو كلام

هزت الزلزال هزني .. و گلبي جام

كل بمكان اتطشرت..

لملمت روحي و گمت

قررت لازم اعيش وعشت أنا

ياشهر أذار .. يا عيد الهنا..

**

جدير بالذكر أن مخرج هذا الأغنية، مسيحي عراقي، جمعه مع رفيقيه ( المسلم والصابئي) انتماء وطني خالص، ووفاء لقضية الانسان التي هي فوق كل اعتبار أو أنتماء فرعي.. فمرحى للحزب الشيوعي وكل محبيه وأصدقائه في عيده الأغر..

علق هنا