الكاظمي ومشروع المشرق الجديد"الذي طرحه في حواره مع غسان شربل، أفكار جريئة تعبر خطي الممانعة والتطبيع!

بغداد- العراق اليوم:

كتب المحرر السياسي في "العراق اليوم" :

يرى المؤرخون  والباحثون، أن أحد أسباب زوال النظام الملكي أنداك، فضلاً عن فساد رموزه، وانغلاقه السياسي، هو تورط النظام وقتذاك بحلف بغداد، الذي أنعقد بمباركة ودعم الولايات المتحدة، بين المملكة المتحدة وتركيا والباكستان وايران، لمواجهة المد الاشتراكي (الشيوعي)، ومجابهة الاتحاد السوفياتي، أذ أن أنحياز النظام الملكي، ووقوفه في محور ضد أخر، ساهم بانتهائه بشكل واضح، فيما لم يمضِ الزعيم عبد الكريم قاسم بعد ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة، سوى أشهر قليلة لينسحب العراق من هذا الحلف المشبوه ويخلصه من سياسة المحاور المُتصارعة، وتعود العلاقات العراقية – السوفياتية بشكل طبيعي.

نسوق هذه المقدمة التاريخية، لنتناول بشيء من البحث والتحليل مفهوم مشروع الشام الجديد، أو " المشرق الجديد"، الذي طرحه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي كفكرة، أو  كواحدة من الأفكار غير المألوفة ولا المتداولة علناً على الأقل في السبعة عشر عاماً الأخيرة من عمر العراق الجديد.

لكن هل هذا المشروع الجديد، هو مجرد إضافة أخرى لمحور جديد، يخوض صراعاً مع محورين مؤذيين للمنطقة بصريح العبارة، يتصارعان بقوة ويتخذان من العراق وسوريا ولبنان وبعض دول المنطقة ساحة لتصفية حساباتهما مع بعضهما البعض، أم أنه تحالف جديد، توجد له أرضية مناسبة وتاريخية، وأيضاً إمكانية أن يحد من صراع المحاور المتقاطعة، ويعمل على رأب الصدع الذي سببه هذا التقاطع الرهيب؟.

المؤكد أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يواصل العمل على مشروع الشام الجديد أو المشرق الجديد الذي يضم مصر  والأردن، ومن المؤمل ان يضم سوريا مستقبلاً.

حيث أن هذا المشروع الجديد هو تحالف‏ دولي إقليمي وعربي يراد منه العمل على استعادة المنطقة العربية وتحرير السياسات الاقتصادية والسياسية في هذه البلدان من سطوة المحورين الأمريكي أو ما يسمى في محور دول التطبيع، والمحور ‏ الروسي-  الإيراني الذي يسمى بمحور الممانعة .

 يرى الكاظمي في هذا المشروع إضافة نوعية للسياسات الخارجية التي يجب أن يتبعها العراق في معالجة حالة الاستقطاب الداخلية التي عانت منها الدولة العراقية بعد عام 2003.

‏المشروع الجديد يتلخص في بناء شراكة تجارية بين هذه البلدان، والعمل على تعزيز السوق العربية المشتركة، فضلا عن مشروع الربط الكهربائي الموحد بين مصر ‏والأردن والعراق، والاستفادة من الطاقات البشرية، والموارد الطبيعية، والموقع الجيوسياسي، والافادة والتأثير في صناعة القرار العربي عبر مؤسسات الجامعة العربية، أو في مجلس الأمن الدولي، وكل المؤسسات الدولية.

الواقع يقول أن العراق بحاجة إلى تعزيز تحالف عابر للإقليم يعادل  التأثيرات التركية الإيرانية في القرار المحلي، أو محاولتها هكذا على الأقل.

‏المعلوم أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بدأ بمشروع استعادة الدولة، أي بمعنى تحرير السياسات والمواقف والقرارات من سطوة التأثيرات الحزبية والسياسية والإقليمية، وضبطها عبر منظومة العلاقات الدولية المؤدية لبناء مصالح ‏استراتيجية ضمن رؤيته وتصوره لعراق جديد خال من تدخلات الإقليم ودول الجوار.

‏مراقبون يرون ‏انه هذا التحالف لا يضيف محوراً آخر ضمن المحاور المتصارعة، قدر ما هو عملية فرز لمصالح بلدان عربية، تتقارب في المشاكل والمعوقات والطبيعة السكانية، وبناء منظومة عمادها الأقتصاد المشترك والافادة من تجارب البلدان المتحالفة.

 إن صناعة السياسات الدولية الجديدة في العراق مهمة ‏جسيمة، وكبيرة، وهي مسؤولية أخلاقية وطنية في العراق الذي  يجب أن يخرج من دائرة الصراع عليه،  إلى دائرة قيادة الصراع حوله، أو أبعاده عنه على الأقل.

‏تعليقا على هذا يقول الكاظمي في تصريح"للشرق الاوسط" عن مشروعه  انه " ليس في توجهنا الدخول في محاور أو تجمعات توحي بانحياز أو عزلة أو تفضيل إلا ما من شأنه أن يساهم في إشاعة بيئة عمل مشترك لصالح شعوبنا وبلداننا.

وقد يكون مفيداً إرساء أسس علاقات نموذجية مع هذا البلد العربي أو الإقليمي أو ذاك من دون أن يدفع إلى التمحور السلبي. وفي هذا الاتجاه نعمل على تعزيز علاقاتنا مع الشقيقة مصر والجارة المملكة الأردنية الشقيقة.

إن أساس مفهوم المشرق الجديد هو تغليب المصالح المشتركة لدول المنطقة على الشكوك والأوهام، نمتلك في هذه المنطقة كل المقومات التي تسمح ليس ببناء أمن مشترك فقط بل التأسيس لنظام تعاون عميق يسمح لنا جميعاً بترجمة إمكاناتنا ومشتركاتنا البشرية والثقافية وثرواتنا الطبيعية إلى منظومة تعاون منتجة في العالم بدل آلية صراع وأزمات، ويتم كل ذلك ابتداء من خلال البناء على المشتركات، وأيضا تحديث مفاهيمنا، فالإرهاب هو العدو الأول لكل المنطقة، والشكوك وانعدام التواصل والبناء على الانطباعات غير المؤسسية وإهمال المشتركات، من ضمن أمراض المنطقة التي يجب معالجتها.

الذهاب إلى المستقبل يحتاج من الجميع استخدام أدوات المستقبل لا الركون إلى الماضي. المنطقة رغم كل أزماتها وتقاطعاتها مستعدة لهذا الخيار.

علق هنا